عقوق الوالدين

Q بعض الشباب هداهم الله يسيئون معاملة والديهم ويلعنونهم ويعتدون عليهم، وإذا أمرهم والدهم خرجوا من البيت ولم يرجعوا، حبذا لو وجهتموهم جزاكم الله خيراً.

؟

صلى الله عليه وسلم إن بر الوالدين أمر عظيم، وتعرفون جميعاً القصة التي رواها الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما {عن العابد الذي كان يعبد الله من بنى إسرائيل، فدعته أمه وكان يصلي فقالت له: اخرج، فقال: يا رب! أمي وصلاتي، وبعد قليل دعته أمه مرة أخرى، فقال يا رب! أمي وصلاتي، ثم دعته مرة ثالثة، فقال: أمي وصلاتي، وظل في صلاته ولم يجبها، فسخطت عليه، ودعت الله عز وجل ألا يمته حتى يرى وجوه المومسات، أي: الزواني والعياذ بالله فأجاب الله تبارك وتعالى دعاءها، وكانت هناك امرأة حسناء من بنى إسرائيل فتحدث الناس عن صلاح جريج وعبادته، فقالت: إنني أستطيع أن أضله، فأعطوها إن فعلت ذلك كذا وكذا، فحاولت بكل وسيلة فلم يلتفت إليها واستمر في عبادة ربه، فخرجت من عنده فوجدت راعياً يرعى الغنم فمكنته من نفسها، فحملت، فقالت لبنى إسرائيل لما ولدت: هذا من جريج، فذهبوا إليه وأنزلوه من صومعته، وهدموها، وضربوه، وقالوا: زنيت، وهذا الولد منك، فقال: أين الغلام؟ فقالوا: هذا هو، فقال: من أبوك؟ فأنطقه الله فقال: أبي الراعي، فتأثر الناس، وعجبوا وزادت ثقتهم بهذا العابد، وقالوا له نبني لك صومعة من ذهب فقال: لا أعيدوها كما كانت من طين} والشاهد من القصة أن الله عز وجل يجيب دعاء الأب إذا دعا على ولده بحق.

وأنا أقول: إن من علامة رضا الله عن الأبناء أن يرضي عنهم والديهم، فليتجنبوا رفع الصوت على والديهم، أو الكلمات التي لا تليق، أو عدم إطاعة الأمر، وليحرصوا على قضاء حوائجهم، ولا تخدعهم أنفسهم فيقول القائل منهم: إنني أنشغل بدراستي، أو بتعليمي، أو غير ذلك، فإنه لو نظر في نفسه لوجد أنه يضيع الكثير من الوقت بغير طاعة، فليصرف هذه الأوقات في قضاء حوائج الأهل، هذا من جهة.

أما من جهة الآباء فإنكم أيها الآباء حريصون على صلاح أبنائكم، وعلى أن يدخلهم الله الجنة، بل إن حرص الوالد على مصلحة ابنه قد تفوق حرصه على مصلحته هو.

ففي الصحيح عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-: {أن امرأة فقيرة جاءت تسألها وكان معها بنتان، فأعطتهما عائشة ثلاث تمرات، فأعطت الأم هذه البنت تمرة وهذه تمرة وأخذت الثالثة لتأكلها، فأكلت كل من البنتين التمرة التي معها ومدت يدها لأمها، فأخذت الأم هذه التمرة من فمها وقسمتها لهذه نصف ولهذه نصف، فلما رأت عائشة هذا المنظر عجبت منه، وأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: من ابتلي من هذه البنات بشيء فصبر كنت أنا وهو في الجنة} فأقول: إن هذا جزء من حرصكم على أبنائكم، فحرصكم يتجلى أولاً على أن تساعدوهم أن يكونوا بارين بكم، ورحم الله أباً أعان ابنه على بره، فاجتهدوا أن تتلطفوا معهم، وأن تأمروهم بما لا يشق عليهم وأنتم إن شاء الله على هذا الأمر مأجورون، وأن تقدروا ظروفهم، فيكلف الابن بما يطيق، وتراعى ظروفه، ويتجاوز الأب عن بعض الأخطاء التي قد يراها؛ لأن الشاب في مرحلة ربما لو تذكر الإنسان حاله وهو في هذه المرحلة لقدر كثيراً من الأشياء.

فالشاب في مرحلة فيها شيء من الطيش، والعجلة، وأحياناً شئ من السفه، فيتطلب من الأب أن يقدر هذا الأمر، وأن يكون رؤوفاً رحيماً به، فلا يكلفه إلا بما كان في إمكانه، ويتغاضى عن بعض الزلات، وهو إن شاء الله عز وجل مأجور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015