Q فضيلة الشيخ: هناك خيط رفيع بين الثقة بالنفس والعجب، هلاَّ وضحت ذلك، جزاكم الله خيرا؟
صلى الله عليه وسلم نعم هناك خيط رفيع بين فالتفقه بالنفس والعجب، الثقة بالنفس هي: أن يحرص الإنسان أن يمارس ويؤدي الواجبات المنوطة به، ويعمل ما يستطيع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأداء الواجبات، والقيام بالأعمال التي هي داخلة في ضمن العبادة من حيث الجملة.
أما العجب فأن يفعل الإنسان هذه الأعمال فيقول في قرارة نفسه: أنا استطعت أن أفعل هذا العمل، إذاً أنا أفضل من غيري، والناس ينظرون إليَّ، فيظن أنه أفضل من غيره، وأنه يملك ما لا يملك غيره، فهنا يقع الإنسان في العجب، والعجب محبط للعمل والعياذ بالله كما أن الرياء محبط للعمل.
والفرق بين العجب والرياء -والله أعلم: أن الرياء يكون في أثناء العمل، فأنت تصلي، أو تتكلم، أو تقرأ، فترى غيرك ينظر إليك فيصيبك الرياء، لذلك تحسن وتكثر من صلاتك أو من عملك ليمدحك الناس بذلك، فهذا هو الرياء، أما العجب فأن يكون الإنسان بعد أن يعمل العمل مزهواً بنفسه، ومختالاً، وأقول: إن العلاج الناجع لهذه الأشياء هو في الحقيقة بسيط جداً ويسير على من يسره الله عليه.
أَلاَ تعرف أن كل نعمة صغرت أو كبرت فهي من الله، وليس لك يد فيها، إن كان العجب من الإنسان بماله فماله من عند الله، وإن كان بجماله فهو من عند الله، وإن كان بذكائه فهو من عند الله، وإن كان بنسبه فهو من عند الله، فأنت أيها الإنسان ماذا عندك؟ هل يختار الإنسان أن يولد -مثلاً- طويلاً أو قصيراً، غنياً أو فقيراً، ذكياً أو غبياً، لا يختار قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص:68] فالله عز وجل هو الذي خلق الخلق، واختار منهم من شاء لما شاء، فوالله لو خلقنا الله عز وجل جميعاً على غير هذا الحال لما كان لنا في الأمر شيء، فإذا عرفت أن الأمر محض امتنان من عند الله فكيف تتكبر؟! أهذا شكر نعمه الله عليك؟!.
كذلك إذا كان الإنسان يعمل الخير أو يعمل العمل الصالح، فكيف يتكبر بهذا العمل أو يعجب به؟! ألا تدري أن الذي وجه قلبك إلى هذا العمل هو الله؟! وفى ذلك يقول الشاعر: إذا كان شكري نعمة الله نعمة علي له في مثلها يجب الشكر فكيف أقوم الدهر في بعض حقه وإن طالت الأيام واتصل العمر يعني إذا شكرت نعمه الله عليك بالعبادة والعمل الصالح، فالعبادة والعمل الصالح نعمة أخرى تحتاج إلى شكر بمضاعفة العمل، فإذا شكرت وضاعفت العمل؛ فهذه المضاعفة نعمة جديدة تحتاج إلى شكر، والشكر يحتاج إلى شكر، فلا تزال بحاجة إلى الزيادة والمضاعفة حتى تلقى الله سبحانه وتعالى، ولو تسرب إلى قلب الإنسان شيء ولو يسير من الكبر فهو على خطر عظيم، ولذلك يحكى عن الإمام أحمد أنه وهو في مرض الموت كان يقول: بعد بعد -وكأنه كان في غيبوبة- فلما أفاق قالوا له: يا إمام! ماذا عرض لك كنت تقول: بعد بعد، فقال: إن الشيطان عرض لي فكان يقول: نجوت يا أحيمد نجوت يا أحيمد فأقول له: بعد بعد، يعني: ما نجوت، وما دام النفس يتردد في الإنسان ما نجا، فلا يوجد مسوغ يجعل الإنسان يعجب بعمله.