واجب الآباء تجاه أبنائهم

إن من واجبنا كآباء أن نحرص على أن نهيء لأولادنا الجو الطيب الذي يستطيعون من خلاله أن يمارسوا إيمانهم كما ينبغي، وإن من واجبنا أن نشجعهم على توجههم إلى الله، فإن من الأشياء العجيبة والغريبة أن يتجه الشاب إلى ربه، ولا ينحرف يمنة ولايسرة، وفى الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة} .

ليس من الغريب أن يهتدي الشيخ؛ لأنه قد كبر وشاب وعرف قرب الأجل، فهو يستعد لآخرته، ويستعد للموت وما بعد الموت، ولكن صلاح الشاب أمر محبوب إلى الله عز وجل أشد من صلاح غيره، ولذلك يعجب الله عز وجل منه ويحبه، فمن واجبنا أن نحب من يحبه الله، وأن نحرص عليه، وأن ندرك أن من واجبنا أن نشجع كل شاب رأينا فيه ولو بعض الصلاح، وإننا نرى والحمد لله في مشارق الأرض ومغاربها توجهاً إلى الله تعالى، ففي كل بلد من بلاد المسلمين، ترى عدداً كبيراً من الشباب وقد صلحوا، واستقاموا واهتدوا وابتعدوا عن الرذيلة، وهذه من البشارات التي بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم.

ففي الحديث الصحيح المتواتر الذي روي عن أكثر من واحد وعشرين صحابياً، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك} وفى لفظ {لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلا ما يصيبهم من اللأوى} أي: لا يضرهم خلاف المخالفين، ولا عناد المعاندين، ولا خذلان الخاذلين، وإن كانت اللأوى تصيبهم كما تصيب الأنبياء وأتباع الأنبياء، ولكن هذه بشارة نبوية أن هذه الأرض لا يمكن أن تخلو من قوم صالحين يقيمون هذا الدين، ويرفعون هذه الملة، ويكونون حجة لله على عباده كما في الحديث: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين} إنهم ليسوا قله، وليسوا أفراداً مشتتين، لا، بل هم قوم ظاهرون، لهم تأثير، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله {لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك} .

وهؤلاء هم الذين وعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، فقد قال في الحديث الصحيح الآخر: {افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي} .

ووعد الرسول صلى الله عليه وسلم هؤلاء بأن يظهر الله تعالى الدين على أيديهم، فقال في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها} قال العلماء: إن (مَنْ) في هذا الحديث لا تعني فرداً واحداً بالضرورة، بل قد يكون المجدد فرداًن وقد يكونون أفراداً كثيرين في كل مكان، منتشرين في أنحاء الأرض، منهم من يجدد أمر هذه الأمة بالعلم، ومنهم من يجدده بالعمل، ومنهم من يجدده بالجهاد، ومنهم من يجدده بغير ذلك من الأمور التي يحتاج إليها المسلمون.

فمن واجبنا أن ندرك مقتضى وعد الله، ومقتضى وعد رسوله صلى الله عليه وسلم وأن نشجع هذه البذرات التي تتجه إلى الله عز وجل وندعو الله لها بالتثبيت والسداد والتوفيق، وأن نكون ممن استجاب لأمر الله سبحانه وتعالى في قوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015