العقبات الخارجية

النوع الثاني من العقبات هي: العقبات الخارجية: وهي التي تواجه الإنسان من خارجه، ومن أهم هذه العقبات: أن يكون الوسط المحيط بالإنسان لا يساعده على الاستقامة والصلاح، كأن يكون الإنسان في بيئة منحرفة، أو فيها بعض الانحراف، فيصبح حين يذهب أو يعود يجد المنكرات والمعاصي، والأشياء التي تصده عن طريق الصلاح وتدعوه إلى طريق الرذيلة والانحراف، فيواجه الإنسان صعوبة في الاستقامة على هذا الطريق، وقد يكون الأمر أخطر من ذلك، وذلك كما لو كان الوسط القريب، وبيئة الإنسان وبيته لا يعينه على الطاعة، فهنا يواجه الإنسان صعوبة كبيرة ولا شك، وهذا الأمر ليس بغريب، فلقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يواجهون من أهليهم الأمرّين، ولو نظرنا إلى أنموذج من حياة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأينا من ذلك العجب العجاب.

فهذا مصعب بن عمير -رضي الله تعالى عنه- كان هذا الفتى أعطر شاب في مكة، وكان يعيش في بيت من بيوت الترف والبذخ والثراء، حتى كانت أمة تلبسه أحسن الثياب، وتطعمه أحسن الطعام، وتشتري له أنواع الطيب، حتى إذا أوى إلى فراشه وضعت أمه شيئاً من الطعام عند رأسه ليأكله، فلما أعلن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم دعوته في مكة، وتلا القرآن، وتفتحت القلوب لهذه الدعوة، وصلت أنباؤها إلى هذا الشاب المنعم والمدلل مصعب بن عمير، وكان شاباً سليم الفطرة، وصافي القلب، فسمع آيات القرآن فتأثر بها، وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يقيم في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وأمره أن يتلو عليه شيئاً من القرآن فبكى وشهد شهادة الحق، ثم ذهب إلى بيته، وكتم خبر إسلامه عن أمه، وصار يصلي ويقرأ القرآن ويدعو سراً، ولكن شعرت أم مصعب بأن في نفس فتاها أمر يشغله عنها؛ ولأنها امرأة جاهلية، ظنت بأنه تعلق بأمر من أمور الدنيا، إما بفتاة أحبها، أو بغير ذلك، فحاولت أن تعرف ماذا في نفس فتاها، فسمعت أخيراً بأن فتاها قد أسلم واتبع هذا الدين وتابع محمداً صلى الله عليه وسلم على دينه، فغضبت أشد الغضب، وأقسمت عليه أن يترك هذا الدين، أو لتفعلن به ولتفعلن، فلم يلن له عزم، ولم تنثن عريكته لذلك.

فمنعت أمه عنه المال والطعام والشراب الذي كانت تعطيه له فلم يؤثر فيه ذلك، حتى اضطر هذا الشاب المنعم الذي لم يتعود حياة الشظف، أن يهاجر مع المسلمين إلى الحبشة، وهناك وجد من متاعب الطريق، ولأواء الغربة ما لم يكن له به عهد، ولكنه تحمل كل ذلك في ذات الله عز وجل.

ثم رجع المسلمون الذين هاجروا من الحبشة إلى مكة بعد ما سمعوا بإسلام قريش، فكان هذا الشاب يمشي في مكة وعليه ثياب لا تكاد تستره، حتى أقبل يوماً على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه تأثر وبكى، وقال: {والله لقد رأيت هذا الشاب في مكة وما فيها شاب أعظم عند أبويه نعيماً منه، ثم أخرجه من ذلك الرغبة في الخير وفي حب الله ورسوله} .

وهاجر هجرته الثانية إلى المدينة وظل يعاني من الفقر، والغربة -وإن لم يكن غريباً فهو مع إخوانه ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم- حتى قتل شهيداً رضي الله عنه، انظروا كيف فانظروا الله عز وجل لهذا الشاب الأجر العظيم، فلما قتل كما يقول خباب بن الأرت رضي الله عنه فيما رواه البخاري في صحيحه يقول: {خرجنا نبتغي وجه الله فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير قال: لما مات لم يجدوا له شيئاً يكفنونه فيه إلا ثوباً قصيراً إن غطي به رأسه بدت رجلاه، وإن غطيت رجلاه بدا رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي به رأسه، وأن نجعل على رجليه من الإذخر -هكذا مات هذا الشاب الصالح ولم يأكل من أجره شيئاً- قال خباب رضي الله تعالى عنه: ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها} .

ومثل ما تحدث خباب رضي الله تعالى عنه تحدث عبد الرحمن بن عوف، فقد كان من أغنياء الصحابة وأثريائهم، [[وفي يوم من الأيام قُدِّمت له مائدته وفيها ألوان الطعام، فلما قدموها له تذكر ما تذكر فبكى وأجهش بالبكاء، وأمر برفع هذه المائدة، فقالوا له: لماذا يرحمك الله؟ ما أصابك؟ قال: تذكرت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وإن منهم من مات ولم يأكل من أجره شيئاً، -وذكر مصعب رضي الله عنه- وتذكرت ما صرنا إليه فأخشى أن تكون طيباتنا عجلت لنا]] .

والمقصود أن كون الإنسان يواجه في سبيل الله ما يواجه، ليس من الغريب، بل الغريب أن لا يقع ذلك، ويحق لكل إنسان منا؛ لا يجد أذى في سبيل الله أن يراجع إيمانه، فقد يكون في إيمانه ضعف؛ لأن الله عز وجل وضع لنا قاعدة في القرآن الكريم أن المؤمن لابد أن يفتن ويبتلى، ويمتحن، كما في قوله تعالى {آلم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1-3] فالإيمان يمكن أن يدعيه كل إنسان، ولكن المحك الذي يصدق عليه إيمان العبد أو يكذب، هو الامتحان في ذات الله، فإن صبر فذلك علامة إيمانه، وإن ضعف أو وهن أو تردد، فهذا علامة ضعف إيمانه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015