إن الموضوع الذي أحب أن أتحدث فيه هو ما يتعلق بالشباب، وهذا الموضوع ليس بالغريب، فكلنا أحد رجلين: إما إنسان كان شاباً فيما مضى من عمره.
أو إنسان هو شاب الآن فنحن جميعاً بحاجة إلى هذا الكلام.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان سوف يسأل يوم القيامة عن أربعة أشياء منها: {عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟} والشباب جزء من العمر تُسأل عنه أيها الإنسان مرتين أمام الله تبارك وتعالى.
الأولى: باعتباره جزء من العمر.
والثانية: سؤالاً خاصاً عن هذا الشباب خاصة، فعلام يدل هذا الأمر؟ هذا يدل على أمرين: الأول: أهمية العمر بالنسبة للإنسان.
والثاني: أنه كل رأس ماله؛ ولذلك إذا عُرض الكفار يوم القيامة أيضاً ورأوا النار، بل ووضعوا فيها فذاقوا من حرها وسمومها وعذابها، قالوا: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37] ماذا يطلبون؟ يطلبون هذه الأيام، ولا يتمنون إلا هذه الأيام التي نعيش فيها نحن الآن، ولكن هيهات! لقد انقضت الدنيا بأيامها، ولذلك يأتيهم الجواب الذي لا رجعة عنه، بقول الله تعالى لهم سؤال "توبيخ وتقريع": {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} [فاطر:37] من عمره الله عز وجل حتى بلغ سن التكليف وعرف الله والرسول صلى الله عليه وسلم وعرف الإسلام؛ فقد قامت عليه الحجة، وقد عمر ما يتذكر فيه من تذكر.
فلا يلزم أن يكون العمر ستين أو سبعين سنة، وإن كان الإنسان كلما عمر كلما زادت الحجة عليه؛ ولذلك في الحديث الآخر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة} يعني زاد العذر واكتمل، وإلا فالإنسان الذي بلغ سن التكليف، وعقل الإسلام، وعرف الله وعرف الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قامت عليه الحجة، إن مات مسلماً دخل الجنة، وإن مات كافراً فإلى النار.
فالأمر خطير جد خطر! كما قال تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:37] أي لا أمل في الرجوع إلى هذه الدنيا، فهم يطلبون هذه الأيام والليالي التي نعيشها نحن الآن، فيا سبحان الله! كيف سيطرت الغفلة على قلوبنا؟ وكيف سيطر الركض وراء الدنيا علينا حتى أصبحنا في شبه حلم؟ سبحان الله! هذا العمر من أعجب آيات الله، لو نظرت إلى نفسك من الذي جاء بك إلى هذه الدنيا؟ ومن الذي منحك هذا النفس الذي يتردد؟ ومن الذي أعطاك هذا القلب وهذا العقل؟ إنه الله -سبحانه تعالى- وإنه لم يعطك إياه إلا للابتلاء والامتحان، وبقدر ما يستفيد الإنسان من هذه النعم في الدنيا في معرفة الله، ودينه والعمل بذلك، يسعد في الدنيا والآخرة، وبقدر ما يضيع من ذلك يجلب لنفسه الشقاء في الدارين.