انظروا إلى الأمور التي يعلمها الصغير والكبير، والعالم والجاهل، كلنا نعلم بأننا لا محالة سوف نغادر هذه الدنيا في يوم من الأيام على رغم أنوفنا كارهين، ومثلما نرى نحن الأموات يغدو الناس بهم إلى المقابر، فسوف يُغدى بنا ويراح ويرانا غيرنا، وهذه سنة الله في الدنيا منذ أن خلقنا الله تبارك وتعالى جيل يأتي وجيل يذهب، وحتى الكفار لا يطمعون في البقاء في هذه الدنيا، فهم يعلمون أنهم ميتون، ولذلك يقولون: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [ق:3] فهم يقرون بالموت لكنهم ينكرون البعث بعد الموت، ولكن هل نفعهم علمهم بالموت؟ لا لم ينفعهم، ولذلك يحق لنا أن نقول: إن الكفار كافرون بكل شيء، حتى بالموت.
كيف نقول عنهم أنهم كافرون به؟ وهم يرون أبناءهم وأقاربهم يموتون! لسنا نحن الذين نقول عنهم ذلك، ولكن يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يؤمن بالله؛ ويؤمن بي، وأن الله بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر} فالإيمان بالموت من شروط الإيمان، بل من أركان الإيمان، فما معنى الإيمان بالموت؟ ليس معنى ذلك أن يعرف الإنسان أنه سوف يموت، فهذا يشترك فيه المسلم والكافر، إنما معنى ذلك: - أن تدرك أنه بقضاء الله وقدره.
- وأن تدرك أن لك أجلاً لا يتقدم ولا يتأخر.
- وأن تدرك أن بعد الموت إما النعيم أو العذاب.
- وأن يصبح هذا الأمر يقيناً في قلبك؛ بحيث إنك إذا هممت بعمل خير فدعتك نفسك للقعود فتذكرت الموت نشطت له وتحركت له نفسك، وكلما هممت بعمل سوء فتذكرت الموت كففت عنه وأقلعت، فهذا معنى الإيمان بالموت.
فلهذا يقول الله عز وجل عن الكافرين: {وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً} [الكهف:101] فهم يسمعون هذه الآيات، ولكنهم يتأذون بسماعها، ويضيقون بها، ومن ثم لا يعتبرون بها.
وفي الصحيح [[أن أبا بكر رضي الله عنه كان يصلي في مكة قبل الهجرة، وكان رجلاً أسيفاً إذا قرأ القرآن يبكي، فتجتمع حوله نساء قريش وأطفالهم يعجبون من أبي بكر وخشوعه في القراءة وبكائه، فغضب عليه المشركون وقالوا لمن أجاره: انظر إلى أبي بكر، فإما أن يكف عنا، وإما أن نرد إليك جوارك فإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأطفالنا]] فهم يسمعون القرآن، ولكن ليس سماع تفهم وتدبر، وليس سماع المسلم الذي يعلم أن هذا الخطاب من الله تعالى إليه، كما يقول ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه: [[إذا سمعت قوله: (يا أيها الذين آمنوا) فألق -أو أرعِ- لها سمعك فإنه إما خير تؤمر به وإما شرٌ تنهى عنه]] .
هذه وقفة عند قوله تعالى: ((وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً)) [الكهف:101] .