ادعاء حصول الكرامات

مثلٌ آخر في قضية الانجازات وتضخيمها، أو ادعاء إنجازات معينة؛ كان كثير من الإخوان يبالغون في الكلام عن كرامات الجهاد الأفغاني، فلا تجلس مجلساً إلا وتسمع رائحة المسك، والذي تبسم بعد ما قتل، وشيء من هذا القبيل، حتى ألفت في ذلك مؤلفات خاصة.

من جهة نحن نؤمن بالكرامات ونعتقد بحصولها، وأن الله على كل شيء قدير، فهو يجري الآيات والمعجزات للأنبياء، ويجري الكرامات لأتباعهم، وأعتقد أن من الممكن أن تحصل كرامات للإخوة في أفغانستان؛ لأن منهم عدداً غير قليل يقاتلون في سبيل الله، نحسبهم كذلك والله حسيبهم.

ولا نزكي على الله أحداً، وهم يواجهون عدواً طاغياً، ويحتاجون إلى تأييد من رب العالمين جلا وعلا، ولهذا فلا غرابة أن تحصل الكرامات، لكن كون الكرامات صارت قضية نبدأ بها ونعيد، ونتكلم عنها صباح مساء، ما الذي حصل؟ الذي حصل أننا بهذا العمل أوجدنا في نفوس كثير من الشباب، أن الذين يقاتلون في أفغانستان هم ملائكة، أو -على الأقل- بمنزلة الصحابة، فأعطيناهم صورة خيالية مثالية عن الواقع، فصار الشاب يذهب إلى هناك، وهو مشحون، يتوقع أنه سوف يلقى أبا بكر وعمر، فلما يذهب يجد السلبيات؛ وذلك لأن الجهاد الأفغاني جهاد شعب بأكمله، وبكل ما فيه من متناقضات موجودة في كل الشعوب الإسلامية بلا استثناء، فالشعب الأفغاني كله يجاهد، ولذلك من الطبيعي جداً أن فيه عيوباً على كافة الأصعدة، على الصعيد العقائدي، والتعبدي والعلمي والعملي، على الصعيد الفكري إلخ.

هذا طبيعي؛ لأن الشعب الأفغاني بكل فئاته وقبائله وأطرافه دخلوا في الجهاد، وما أتصور أنه عندما يدخل الجهاد بقدرة قادر تتحول سلبياته إلى إيجابيات، ونقائصه إلى كمالات، هذا مخالف للفطرة والسنن الكونية، أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما حصل لهم كل هذا فضلاً عن غيرهم، ولذلك عندما يذهب الشاب بعقلية مملوءة بالكرامات والكلام حولها، ما إن يذهب حتى يجد بعض السلبيات، -أحياناً- يرجع منتكساً بزاوية قدرها مائة وثمانون درجة، بدلاً ما كان بالأمس الجهاد قد ملأ قلبه وعقله وحياته، أصبح بعضهم ربما يرجع بصورة عكسية تماماً، حتى أن منهم من يرجع يتهجم على الجهاد، ويتكلم عليه ويسقطه من حسابه.

هذه ردة فعل، وهي نتيجة خطأٍ سابق، والخطأ السابق هو أننا أعطينا الأمر أكبر من حجمه، وبالغنا في تصوير الواقع، وفي سرد الإيجابيات والإنجازات وغيرها؛ فارتسمت ونقشت في عقل هذا الشاب، خاصةً وأن الشباب دائماً يفكرون تفكيراً مثالياً عاطفياً -كما أسلفت- فلما يأتي إلى الواقع يصطدم بأقل سلبية ولو كانت سلبية قابلة للاحتمال كالمعاصي مثلاً، فكم الطبيعي أن توجد المعاصي، لكن لو رأى معصية كأن يرى إنساناً مسبلاً أو حالق لحيته؛ رجع بصورة منتكسة، وقال: هذا كذا وهذا كذا، وسمعنا كذا ورأينا كذا.

وقد سمعت من الشباب من يستنكر ويهول في استنكار قضايا هنا ما تصل إلى حدٍ أن تكون معصية أصلاً، فضلاً عن أن تكون أكثر من ذلك.

إذاً: من أخطائنا نحن في التفكير: أننا نبالغ في تضخيم الإنجازات وتهوين الأخطاء، وهذا يأتي بنتيجة عكسية أحياناً، فبعد حين نجد أن هناك ردة فعل، لا توجد إنجازات، وتتحول القضية -في نظر البعض ممن يعيشون ردود فعل خاطئة- تتحول القضية في نظرهم إلى مجموعة من الأخطاء المتراكمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015