القيام بحقوق الناس

السبب الثالث: من أسباب كسب مودة الناس القيام بحقوقهم، وحقوق المسلمين كثيرة! يكفي منها أن تعلم ما حدده النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب في البخاري ومسلم قال: {أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع -بماذا أمرنا؟ - أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإبراز المقسم، ونصر المظلوم، وتشميت العاطس، ورد السلام، وإجابة الدعوة} .

هذه سبع خصال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها أصحابه وهي من الأمور التي توجب المودة والألفة بين المسلمين.

فرد السلام جاء في حديث عند محمد بن نصر المروزي، في تعظيم قدر الصلاة وغيره، أن من سلم على إنسان ولم يرد عليه رد عليه الملك، ولعن هذا الذي لم يرد السلام، إذا تعمد ترك السلام.

ولا شك أن رد السلام واجب، وكذلك تشميت العاطس، إذا حمد الله أن تقول له: يرحمكم الله، وكذلك أجابه الداعي إذا دعاك إلى وليمة عرس، وليس في هذه الوليمة معصية، ولا غناء محرم، ولا اختلاط، ولا تصوير، ولا غير ذلك من المنكرات، فيجب إجابته وتطييب خاطره بذلك، كذلك نصرة المظلوم، ويكون نصره بالقول وبالفعل.

وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري عند ابن ماجة: {لا قُدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع} لما ذهب المسلمون إلى الحبشة، ذكرت أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم قصة غريبة قالت: يا رسول الله! رأيت امرأةً عجوزاً تحمل على ظهرها قربة من الماء تسقي، فمرت بشاب -شاب من هؤلاء الشباب المراهقين، الذين يتسكعون في الشوارع، ويؤذون الخلق- فلما رآها هذا الشاب وهي عجوز مسنة تعرض لها، ثم دفعها، فسقطت، فسقطت قربتها، فماذا صنعت هذه المرأة؟ لم تستطع أن تشكي إلى أحد، ولكنها قامت وقالت لهذا الشاب: ستعلم يا غُدر -يعني يا غادر- إذا نزل الله لفصل القضاء كيف يكون جزاؤك! فتعجبت أم سلمة مما رأت، وأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: {صدقت، صدقت، لا قُدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه} والأمة إذا ما كان فيها من يأخذ فيها حق المظلوم، وينصره بالقول وبالفعل، فهي إلى هلاك وفناء وزوال، فالظلم سبب خراب الأمم وديارها، وضلالها وضياعها.

وكذلك زيارة المريض وعيادته وما فيها من تسليه، ومن ترويح، ومن إزالة الهم عن قلبه، وتطييب خاطره، بل ورد في الحديث الصحيح {أن من زار مريضاً لم يحضر أجله ثم قال: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا شفاه الله عز وجل} فتزور أخاك المسلم وتجلس عنده خمس دقائق تكون {في خَرْفَةِ الجنة حتى ترجع} كما في الصحيحين، أي خير أعظم من هذا؟ عمل قليل وخير كثير.

وكذلك اتباع الجنائز، علاقتك بأخيك المسلم لا تنته بموته، بل حتى في الآخرة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] فلذلك حتى بعد موته يشرع أن تشيعه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق عليه {ومن تبع جنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان، قالوا يا رسول الله وما القيراط؟ أو وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين} وفي لفظ عند مسلم {أصغرهما مثل أحد} فمثل هذه الحقوق تؤديها لإخوانك المسلمين.

وفي حديث آخر حديث أبي هريرة في صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه} .

الجزاء من جنس العمل، تنفس عن المؤمن كربة في الدنيا، يجازيك الله بجنس عملك، فينفس عنك كربة، لكن ليست من كرب الدنيا فقط، بل حتى من كرب يوم القيامة، وهي أهوال عظام وشدائد جسام، لا يعلمها إلا من عاشها.

تعين المسلم وتيسر عليه، ييسر الله عليك في الدنيا والآخرة، ألست تعلم أيها المسلم، أنه سيمر بك عسر في الدنيا؟ الصحيح قد يمرض، والغني قد يفتقر، والكبير قد يزول قدره ومكانه، فالدنيا لا بقاء لها ولا دوام، ولنفترض أنك بقيت صحيحاً قوياً غنياً ثرياً متمكناً إلى الموت، أليس الموت أعظم كربة في الدنيا، فإذا أردت الله عز وجل يكون معك في تلك الكربة، يثبتك بالقول الثابت ويرحمك، فأحسن إلى إخوانك المسلمين، ابحث عن الكربات ونفِّسّها، يسر عن المعسرين، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة.

فإذا وجدت إنساناً وقع في خطأ فاستر عليه، إلا أن يكون هذا الإنسان مجرماً محترفاً، كما نجد في كثير من المجتمعات، بعض الناس الذين يسعون في الأرض فساداً، كمروجي المخدرات، مروجي الأفلام الخليعة -مثلاً- دعاة الجرائم، يبيعون الخمور للناس، يسعون بين الناس بأسباب الفساد، ويحاولون نشر هذه الأشياء، ومثلهم السحرة والمشعوذين، فمثل هؤلاء يجب على كل إنسان أن يسعى في فضحهم بكل وسيلة، هذه الوسيلة الثالثة لكسب مودة الناس: أداء حقوقهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015