أما الأمر السادس والأخير: من وسائل جلب وكسب مودة الناس فهو: أن لا تنافسهم في الدنيا، ولهذا جاء في الحديث {ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس} والإمام الشافعي رحمه الله كان يقول: ومن يذق الدنيا فإني طعمتها وسيق إليَّ عذبها وعذابها يقول الإمام الشافعي لقد جربت الدنيا يا إمام! أخبرنا ما هي؟ قال:- فما هي إلا جيفة مستحيلة عليها كلاب همهن اجتذابها فإن تجنبتها كنت سلماً لأهلها وإن تجتذبها نازعتك كلابها ولذلك تجدون معظم المشاكل بين الناس، بسبب الخصومات الدنيوية؛ فإذا استطاع الإنسان منا ألا يتعلق بالدنيا تعلقا كبيراً، فليفعل، نحن لا نقول دع الدنيا وراءك، الإنسان لابد له من شيء من الدنيا، لكن لا يتعلق بها، لا تكون الدنيا كل همه؛ لأن الإنسان إذا صارت الدنيا كل همه، فربما يكون فقره بين عينيه، ولا يأتيه من الدنيا بكل حال إلا ما كتب له، فلابد من التقلل من الدنيا وخاصة إذا كان الإنسان يريد الإصلاح في أوساط الناس، أن يعرفه الناس بأنه رجل متخلٍ عن الدنيا ليس له فيها همة ولا طمع.
النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان شأنه مع الدنيا؟ اسمع هذه القصة العجيبة، وهي في صحيح البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام صلى بأصحابه، صلاة العصر، فلما سلم قام مباشرة وذهب مسرعاً إلى بيته، فتعجب الناس، العادة أن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا صلى استغفر وسبح والتفت على أصحابه وذكر الله، ثم جلس بينهم، وتحدث معهم وذكّرهم، هذه المرة لما سلم على اليسرى قام مسرعاً إلى بيته، فلما جاء استقبله أصحابه، خيراً يا رسول الله، قال: {ذكرت شيئاً من تبر كان عندي، فأحببت أن أوزعه بين الفقراء والمحتاجين} (ذكرت شيئاً من تبر) أي: من ذهب، ما أحب صلى الله عليه وسلم أن يجلس حتى ينتهي من التسبيح، ثم يذهب ليفرق هذا المال، بل ذهب بسرعة وأخرجه وأعطاه لغلام عنده ليوزعه على الفقراء.