شهادة الكافر والفاسق

إذاً فالكافر لا تقبل شهادته على مؤمن في الدنيا والآخرة، بل إن شهادة الكفار على المؤمنين هي شهادة عكسية؛ فإذا رأيت الكفار يسبون مؤمناً ويشتمونه، فاعلم أنه رجل صالح، وإذا رأيتهم يمدحون إنساناً ويثنون عليه، فالغالب أنه رجل منحرف؛ لأنهم إنما يذمون إنساناً لاستقامته على الخير، وصلاحه وفلاحه وورعه وتقواه، وكذلك الفساق؛ فإننا نعلم أن الفاسق لو شهد على ريال أو دجاجة، أو شبر أرض أو ما دون ذلك، أمام محكمة من محاكم الدنيا، فجاء رجل وقال هذا الإنسان فاسق، هذا لا يصلي مع المسلمين، هذا يأكل أموال الناس بالباطل، هذا يأكل أموال اليتامى ظلماً، هذا يتعاطى السحر، هذا عاق لوالديه، ما قبلت شهادته.

وإذا كانت شهادته لا تقبل على ريال، أو على دجاجة، أو على شبر أرض، فكيف تقبل على صلاح إنسان أو فساده.

فلا تقبل شهادة الفساق؛ لأن الفاسق هو أيضاً في الغالب يحب نظراءه وأشباهه، ويقول بعض الخبراء في العصور المتأخرة: إن الإنسان المنحرف يكره الإنسان الصالح لماذا يكرهه؟ يكرهه لأنه يذكره بالصلاح، الذي كان يجب أن يتحلى به، والفطرة التي كان يجب أن يكون عليها، فكأنه يحسده على ما آتاه الله من فضله فيغمزه ويتكلم فيه.

وقد حدثني بعض شيوخنا أنه كان هناك أحد المشايخ المعروفين في البلد، وكان شيخاً عالماً عابداً تقياً، فذات يوم لحق به أحد الفساق الدعار الفجار وقال له: يا فلان والله إني لأبغضك، فقال: تحلف بالله، قال: والله إني لأبغضك.

فقال: جزاك الله خيراً ثم ذهب هذا العالم إلى السوق، وكان الناس في وقت جوع وشظف في العيش، فاشترى له كسوة وشيئاً من القهوة وشيئاً من الشاي، وبعض الحاجيات الضرورية ووضعها -صرها- في هذه الكسوة، ثم أهداها إليه، وقال له: هذه عن البشارة التي بشرتني بها أمس، ما البشارة؟ قال: بشرتني أنك لا تحبني، أنا مصيبة عندي لو كنت تحبني؛ لأني أعرف أنك لو كنت تحبني لكان معنى ذلك أنني مثلك وعلى شاكلتك، فلما أبغضتني زاد أملي ورجائي في نفسي، أن يكون فيّ شيء من الصلاح سبب بغضك.

فالفاسق لا يقبل كلامه، ولا تقبل شهادته أيضاً على الصالحين الخيرين المستقيمين، ولذلك جاء في بعض ألفاظ الحديث {المؤمنون شهداء الله في أرضه} والفاسق لا يستحق أن يوصف بأنه مؤمن، هل نقول على الفاسق بأنه كافر؟ كلا، إذا كان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويصلي مع الجماعة، أو يصلي ولو في بيته، ولا يرتكب مكفر ولا ناقضاً من نواقض الإسلام، فنحن لا نكفره، لكن لا نعطيه وصف الإيمان على الإطلاق، فنقول مؤمن، لا إما أن نقول: مؤمن ناقص الإيمان، أونقول: مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته.

فلفظ الإيمان لا يطلق إلا على إنسان لا يظهر أمور الفساق، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {المؤمنون بعضهم على بعض شهداء، المؤمنون شهداء الله في أرضه} .

إذاً من هم الذين تقبل شهادتهم؟ من هم شهداء الله في أرضه؟ هل هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقط؟ قال بعض أهل العلم: نعم هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقط، لكن هذا قول لا يعبأ به، بل لا يدل عليه دليل، والظاهر أن الحديث عام في كل إنسان صالح مستقيم، فالخيرون الصالحون المصلون الذين يترددون على المساجد، ويعرفون بالخير، ولا يعرف منهم فسق، إذا أثنوا على إنسان خيراً، كان هذا دليلاً على أنه من أهل الجنة، وإذا أثنوا على إنسان شراً كان هذا دليلاً على أنه من أهل النار، ويدخل في ذلك الرجال والنساء على حد سواء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015