الأمر والنهي فطرة عند الناس

أما فيما يتعلق بالنقطة الثانية التي أحب الوقوف عندها، فهي: ضرورة الأمر والنهي، وباختصار فإن الأمر والنهي فطرة في نفس كل إنسان، حتى لو كان يعيش بمفرده معتزلاً الناس لا بد أن تأمره نفسه وتنهاه، فإما أن تأمره نفسه بالمعروف وتنهاه عن المنكر، أو تأمره بضد ذلك، ولهذا كان الناس يقولون: (نفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر) وإذا اجتمع اثنان فلا بد أن يتآمرا ويتناهيا، وإذا اجتمع جمع من الناس، فالشأن كذلك، لكن لهم ثلاث حالات:- الحالة الأولى: أن يتآمروا بالمعروف، ويتناهوا عن المنكر، وهذه هي الحالة التي وصف الله بها المؤمنين: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110] {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] .

الحالة الثانية: أن يأمروا بالمنكر، وينهوا عن المعروف، وهذه حال مَنْ؟ هذه حال المنافقين: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} [التوبة:67] .

الحالة الثالثة: هي خليط، يتآمرون بمعروف وبمنكر، ويتناهون عن بعض المعروف وعن بعض المنكر، فيقع منهم حق وباطل، ويلتبس هذا بهذا، وهذا حال المقصرين والعصاة والمسرفين على أنفسهم ونحوهم.

وتلاحظون في الآيتين السابقتين: التفريق بين المؤمنين والمنافقين، قال الله تعالى في شأن المؤمنين: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:72] وقال في شأن المنافقين {بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [التوبة:67] وهذا في باب الرأي قد يتساءل الإنسان، كان الذي يتوقعه الإنسان أو يظنه ربما يسبق إلى ذهنة، أن علاقة المؤمنين بعضهم ببعض أمتن.

ولذلك قد يعبر عنها بـ (من) قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] وأن علاقة المنافقين بعضهم ببعض أقل.

ولذلك يعبر عنها بـ (أولياء) لكن الله تعالى قال في محكم: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] وقال عن المنافقين {بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [التوبة:71] والسر في ذلك مما يظهر والله أعلم أن علاقة المؤمنين بعضهم ببعض ليست علاقة تناصر على الباطل، إنما هي علاقة اتفاق على الدين الذين يدينون به {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] .

ولذلك يتوالون فيه، أما المنافقون فهم لا يتوالون من أجل دين ولا من أجل عقيدة، وإنما يتوالون ويتناصرون بالباطل، فكلما ذهب بعضهم إلى شيء وافقه الآخرون عليه مهما كان، فلذلك قال تعالى: {بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [التوبة:71] .

والمقصود أن الأمر والنهي ضرورة بشرية، وكل إنسان لا بد أن يأمر وينهى ويُؤْمر ويُنْهى، إما بخير أو بشر أو بأمر مختلط من هذا وذاك، ولذلك يجب أن نعلم أن المجتمع إما أن ينتشر فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأما أن تكون الأخرى وهي أن ينتشر فيه الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، أو الأمر ببعض المعروف وببعض المنكر، والنهي عن بعض المعروف وبعض المنكر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015