وإذا أردت أن تعرف مدى سلامة مجتمع ما أو فساده، فطبق عليه هذه القاعدة: إذا وجدت هذا المجتمع يشمئز من المنكرات، فينكرها ويحاربها، فهذا دليل على سلامته في الجملة، فإذا أُشْرِب هذه المنكرات وتقبلها بسهولة، فاعرف أنه مجتمع منحل.
ولذلك كان أسلم المجتمعات هو مجتمع الصحابة رضي الله عنهم، فكانوا يعرفون المعروف وينكرون المنكر، ولذلك قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الأثر الصحيح الذي رواه الحاكم وغيره قال: [[ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح]] .
ثم ضرب لذلك مثلاً بأن المسلمين -أعني الصحابة-، اتفقوا على اختيار أبي بكر للخلافة، فحينئذ عُلم أن هذا أمر يحبه الله ويرضاه، ولهذا أصبح من جملة عقائد أهل السنة والجماعة تفضيل أبي بكر على من عداه من الصحابة، والإقرار بأنه أول الخلفاء الراشدين، ومن بعده عمر كذلك، ثم عثمان ثم علي، هذا مثال لهذه القاعدة.
ولهذا أجمع المسلمون على قبول إجماع الصحابة رضي الله عنهم وأنه حجة فيما بينهم وبين الله، فإذا اتفق الصحابة على أمر، أصبح المسلمون من بعدهم متعبدين بهذا الأمر وهو من ضمن الأدلة الشرعية، ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين.
ولذلك كان الإمام مالك رحمه الله يأخذ بعمل أهل المدينة، فما وجد عليه عمل أهل المدينة في القرن الأول اعتبره من ضمن الأدلة الشرعية، وهذا أصل خاص بالإمام مالك، وكان رحمه الله يفسر ذلك بأن عمل أهل المدينة إنما هو على النبوة.
أما عمل الأمصار الأخرى فإنه على أوامر الملوك، وكذلك المجتمعات الخالفة من بعدهم، ما كان من هذه المجتمعات يقبل المعروف ويرضى به ويدعو إليه، فهو مجتمع سليم، وما كان يرفض المعروف ويأباه ويقر المنكر فهو منحرف.
وحين تلقي نظرة تحاول أن تطبق فيها هذه القاعدة على المجتمعات الإسلامية اليوم، تجد أن هذه المجتمعات بلا شك تتفاوت تفاوتاً كبيراً، ولكن يغلب على هذه المجتمعات في الجملة، أنها تتقبل المنكرات وتألفها وتنتشر بين أفرادها بشكل سريع ذريع، ما أسرع -مثلاً- ما تنتشر الموضات والأزياء الأجنبية في أوساط النساء، بمجرد ظهور مغنية أو ممثلة أو فاجرة أو داعرة بزي معين، لا يمر غير وقت قصير إلا وتجد هذا الزي قد شاع وذاع، وأصبحت نساء المؤمنين تتبارى عليه، وتتنافس فيه، وما إن تظهر مغنية أو ممثلة أو داعرة بتسريحة معينة من تسريحات الشعر، إلا وتجد المسلمات خلفها يطبقن ما رأين تطبيقاً دقيقاً أميناً، وما إن تجد شباب الغرب، يسيرون خلف تقليد من التقاليد، إلا وسرعان ما ينتشر بين شباب المسلمين.
هل نعتقد أن الظواهر التي نلاحظها في شبابنا اليوم في ملابسهم، في طريقة شعورهم، في طريقة تصليحهم لسياراتهم، في بعض الظواهر التي قد تشيع -أحياناً- بين الشباب، هل نعتقد أنها نشأت من فراغ؟ كلا، إنها أشياء يلاحظونها في المجتمعات الكافرة، سواء حين يسافرون إلى تلك المجتمعات ويشاهدونها عياناً، أو من خلال الأفلام والمسرحيات التي تعرض الأوبئة الموجودة في بلاد الروم أمام أعين نظارة المسلمين، وقد تكون -أحياناً- نوعاً من الخدع في التصوير، فيغتر بها شبابنا ويطبقونها مثلما يقع في ما كان منتشراً ما يسمى بعملية (التفحيط) وغيرها! هل نعتقد أن انتشار هذه الأشياء، أمر طبيعي؟ كلا، إنه يدل على وجود فراغ في عقول ونفوس هؤلاء المسلمين، وانحراف يجعلها قابلة للمنكر.