Q فضيلة الشيخ! أنا شاب أحب أن ألفت انتباه إخواني وزملائي إليَّ، فأجمل نفسي وأتشوق بالكلام، وأظهر قراءتي لهم، ولا أمتثل لأمر إخواني؛ لأني أحس أني لو أطعتهم في كل شيء لأصبحت لا قيمة لي، علماً أني أحب أن أكون عالماً ومثقفاً وعابداً، وقد أعمل بعض الأعمال التي تقرب من هذه الأشياء؟
صلى الله عليه وسلم نعم، الأخ يشير إلى نَواحٍ معينة قلما يخلو منها إنسان، فكلنا فينا عيوب، ونسأل الله أن لا يفضحنا، ولو علم الناس أو علم كل إنسان ما في الآخر من العيوب لربما ما وجدت الإخوة الحقيقية، لكن من رحمة الله أنه يستر على عباده في الدنيا، وإن شاء الله إذا ستر الله على عبده في الدنيا، فهذا مدعاة إلى أن يستر الله عليه في الآخرة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر أنه قال: {إن الله يدني عبده المؤمن يوم القيامة منه، فيقول له: أتذكر ذنب كذا، أتذكر ذنب كذا، أتذكر ذنب كذا، فيقول: نعم يا رب، لا ينكر منها ذنباً واحداً، فيقول الله عز وجل أنا سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم} فنحمد الله الذي سترنا، ونسأله أن يجملنا بستره إلى يوم أن نلقاه، بل وأن يسترنا -أيضاً- في يوم القيامة، يوم تبلى السرائر.
وأقول للأخ: ما دام أن الأمر هكذا، كل إنسان عنده عيوب، فالمفروض أن الإنسان يسوس نفسه سياسة حكيمة، ومن السياسة الحكيمة للنفس، أن الوصول للكمال لا يتم دفعة واحدة، وإنما يتم عن طريق محاولة تقليل العيوب، ومحاولة تكثير الإيجابيات والحسنات، فإذا رأيت في نفسك خصلة طيبة فنمِّ هذه الخصلة.
مثلاً: تحب العلم، هذه خصلة طيبة نمِّ هذه الخصلة واعَتْنِ بها.
تحب القراءة، تحب العبادة، هذا عمل عظيم، نمِّ هذه الخصلة، والخصال التي تنتقدها على نفسك حاول أن تقلل منها، وحاسب نفسك، وما رأيت شيئاً أجمل وأعظم للإنسان من محاسبته لنفسه، حتى بعد أن ينتهي الموقف، نفترض أنك في موقف من المواقف تصرفت تصرفاً معيناً وانتهى الموقف، لابد أن تراجع الحساب، وتتذكر هل كان موقفي جيداً أم ضعيفاً؟ وماذا كان يجب أن أفعل؟ لكي تستفيد أنت من أخطائك.
إذا كان الإنسان مطلوباً منه أن يستفيد من أخطاء الآخرين، فما المانع أن يستفيد من أخطائه هو؟ فكل موقف يمر بك حاول أن تتذكره بعد فواته، وانظر ما هو الأجدر بك؟ هل كان الأجدر أن تفعل كما فعلت؟ أم أن تفعل فعلاً آخر أجمل منه وأحسن؟ وبذلك تستطيع أن تقلل من عيوبك وأخطائك وتكثر من حسناتك وفضائلك، حتى يطغى الخير على الشر، والرجل الطيب ليس ملكاً من الملائكة، لا، إنما هو رجل تغلب حسناته على سيئاته، تغلب خصال الخير فيه على خصال الشر، لا أكثر.