ولذلك ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم -ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلى ظله-: {رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله} .
هذا الرجل يعيش حقيقة الخوف من الله، ولذلك كف عن المعصية.
وفي قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، حتى إن كل واحد منهم دعا الله بعمله الصالح، فأحدهم قال -ما معناه: {إنه كانت له ابنة عم يحبها كأشد ما يكون الحب، فاحتاجت في يوم من الأيام فطلبت منه مالاً، فأبى إلا أن تخلي بينه وبين نفسها؛ ولأنها كانت محتاجة فاضطرت إلى ذلك، فلما أعطاها المائة دينار أو أكثر من ذلك، وجاء إليها، قالت له: يا فلان؛ اتق الله! ولا تفض الخاتم إلا بحقه} فتذكر، فابتعد عنها وترك عندها الدراهم، ما الذي دفعه؟! الآن الدافع قوي إلى الفاحشة، رجل شاب أمامه امرأة شابة جميلة يحبها وقد خلت بينه وبين نفسها، كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: امرأة ذات منصب وجمال، وهي التي دعته إلى نفسها -أيضاً- ومع ذلك كله وُجِد عند هذا الرجل مانع أقوى من هذا الدافع، وجد عنده قوة إيمان تحول بينه وبين مقارفة هذه المعصية.
انظروا إلى سورة يوسف عليه الصلاة والسلام: رجل في قصر الملك -قصر العزيز - في بلد لا يعرفه أحد فيه، وهو في منتهى الجمال، وفي حيوية الشباب، تأتيه امرأة العزيز وهي لابد أن تكون جميلة، وهي سيدته التي تأمره فلا يستطيع أن يعصي لها أمراً، وهو لا يخاف من فضيحة دنيوية؛ لأنه لا أحد يعرفه، ومستبعد أن يفتضح الأمر، ومع ذلك كله تراوده عن نفسها وتبذل له الأساليب والحيل وتهدده بالسجن، ومع ذلك يقول: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف:33] هل كان يوسف -مثلاً- ليس عنده حيوية الشباب؟ أبداً، يوسف كغيره من الناس، ويثور في نفسه ما يثور في نفس غيره، وقد ركب الله في نفس كل إنسان أن يكون عنده ميل إلى المرأة، لكن قوة الإيمان جعلته يستعلي على كل هذه المغريات ويثبت بتوفيق من الله {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24] .
إذاً، الإيمان الذي يمكن أن يدفع إلى الأعمال الصالحة، وإلى الرجولة، وإلى البطولة، والإيمان الذي يمكن أن يحجز الإنسان عن المعاصي والموبقات، ليس هو الإيمان الصوري الذي نحفظه بألسنتنا، (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره) ليس ترديد هذا الكلام هو الذي يجعل الإنسان يمتلك الدافع القوي إلى الطاعات، والمانع القوي عن المعاصي والموبقات؛ إنما الإيمان الذي يدفع الإنسان إلى عمل الخير، ويحجز الإنسان عن العمل السيئ، هو أن تتحول هذه الكلمات إلى حقائق في القلب، ويصبح الإنسان يرى ويتصور الآخرة كأنها رأي العين، ويعلم أن الله يراقبه حيثما كان، وهذه التي وصفها الرسول عليه الصلاة والسلام حينما قال في تعريف الإحسان {أن تعبد الله كأنك تراه} .