مآسي المسلمين في طاجكستان

لقد حكم المسلمون بالحديد والنار طوال فترة الحكم الشيوعي السابق، فهدمت المساجد والمدارس، أو حولت إلى حانات للخمور والدعارة، وقتل العلماء والشباب، حتى قدر عدد القتلى المسلمين في الجمهوريات أثناء حكم الطاغية إستالين بما يزيد عن عشرين مليون مسلم، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي سيطر على مقاليد الحكم في طاجكستان الحزب الشيوعي بقيادة رحمن نبيوف مدة من الزمن، ثم خرجت الجماهير المسلمة إلى ساحة تسمى بساحة الحرية ما يزيد على ثلاثمائة ألف مسلم، وظلوا أكثر من شهرين يطالبون بالحكم الإسلامي وبسقوط الشيوعية، وفعلاً سقطت الشيوعية مرة أخرى، وقامت حكومة ائتلافية عينها الإسلاميون في الغالب مع بعض الأحزاب الديمقراطية المناوئة للشيوعية، وكان ذلك في أواخر سنة (1412هـ) ، ولكن هذه الفرحة لم تدم، حيث تحالف الشيوعيون والقوميون والغرب، بل اليهود الذين بعثوا بالإعانات في كراتين الحليب وصناديق الإغاثة، وكان من جراء ذلك أن عاد الشيوعيون إلى السيطرة على الحكم، وارتكبوا الجرائم الوحشية في حق ذلك الشعب المسلم، كما فعل أشياعهم من قبل، وهذه بعض الإحصاءات لما وقع للمسلمين هناك.

ذكرت مصادر حكومية: أنها أحرقت أكثر من مائة وخمسين ألف منزل، وقتلت خمس وعشرين ألف شخص بما يسمونهم بالمعارضة، وعندما سُئلوا: لماذا تقتلون الأطفال والنساء وتحرقون المنازل؟ قالوا -أي: رجال الحكومة: اسألوا آباءهم وأزواجهم هم تركوا هؤلاء لنا، ونحن نتصرف فيهم كما نريد، إذا كان لهم قيمة عندهم فلماذا يتركونهم لنا؟ ذكرت إحدى المجلات الروسية اسمها مجلة جازيت في مقال لمراسلها بعنوان (الحرب الأهلية: الدم والموت والتعذيب في طاجكستان) : أن عدد القتلى يتراوح بين عشرين إلى ستين ألفاً، وأن عدد المفقودين حوالي مائة وخمسون ألفاً، أما عدد اللاجئين فهم حوالي نصف مليون نسمة تقريباً، أما مصادر حزب النهضة فيما نشرت وفيما سمعت بأذني، إنها تقول: إن عدد القتلى مائتا ألف نسمة، أما عدد اللاجئين فيزيد عن نصف مليون لاجئ، أما عدد المفقودين فيقارب عدد القتلى، ومعظم أوجزء من هؤلاء القتلى في الغابات وبعضهم أغرقوا في نهر جيحون، حتى يقول لي الأستاذ سيد قوام الدين: لقد أخرجنا بأيدينا أكثر من ألف جثة من النهر ممن اغرقوا فيه، وكثيرٌ منهم من الشباب، ومن حفاظ القرآن، ومن طلبة العلم وبعضهم يقول: من طلابي الذين كنت أدرسهم.

لقد تحول نهر جيحون إلى بركة حمراء تسبح فيها جثث طافية بالآلاف، مما يذكرنا بما فعله المغول في بغداد حيث تحول نهر دجلة إلى نهر أحمر يجري دماً من دماء المسلمين، ورغم حملات الإبادة الشاملة التي تقوم بها الحكومة فإنها لن تستطيع السيطرة على الأوضاع، ولن تثبت دعائم الاستقرار، بل نستطيع أن نقول، على حسب المعلومات الشفهية التي وصلت: إن أكثر من نصف طاجكستان هو في أيدي المجاهدين وهم متحصنون في الجبال، وعددهم يزيد على حسب المصدر السابق على مائة ألف مجاهد مسلم، وهم يحاربون بقوةٍ وبسالة، وقد استطاعوا أن يقتلوا عدداً من الجنود الروس الذين تدخلوا في طاجكستان، وعدداً من جنود الجمهوريات المجاورة من أوزباكستان وغيرها من الشيوعيين فضلاً عن جنود الحكومة الطاجيكية.

قامت الحكومة بتوزيع الأسلحة على الموالين لها الموجودين في المناطق الجبلية للحيلولة دون سيطرة المسلمين عليها ومازالت حملات القصف التي يقوم بها طيران أوزباكستان مستمرة على مواقع المسلمين في المناطق الجبلية، وقد تحقق هذا الأمر بعد مشاهدة الطائرات التي أسقطها المجاهدون، أما يد الروس فما زالت قوية ومؤثرة في الأحداث، وهي متمثلة في دعم الحكومة الحالية، والوقوف معها، ومدها بالسلاح، وحماية حدودها الجنوبية تجاه أفغانستان، وإنني أقول: لعل تدخل روسيا اليوم في طاجكستان يكون سبباً في سقوطها كما سقط الاتحاد السوفيتي أمس يوم تدخل في أفغانستان، لقد تدخل الاتحاد السوفيتي في أفغانستان في الوقت الذي لا تزال فيه تحتفظ ببعض قواته، ولا زالت القوة الغربية قائمة موجودة تحاربه وتناوئه، والمسلمون كانوا أضعف منهم بكثير، أما اليوم فقد تدخل الروس في طاجكستان والمسلمون اليوم أقوى منهم بالأمس، والمسلمون اليوم يأوون إلى أفغانستان، حيث يجدون في قندز وغيرها من المناطق في الشمال مأوى للاجئين والمهاجرين وتنظيم المجاهدين، ولعلهم يجدوا دعماً من إخوانهم الأفغان، ولعل ذلك يكون سبباً في توحيد كلمة الأفغان وزوال الخلاف فيما بينهم.

إن المقاومة الإسلامية مستمرة في الجبال، وهناك استعدادات لمقاومةٍ طويلة الأمد استفادت من قربها الجغرافي كما ذكرت، خصوصاً إذا وصلتهم مساعدات من إخوانهم المسلمين، أما الطرق الجبلية الموصلة لمناطق المسلمين، فقد دُمِرَ معظمها، وقد أصبح الوصول إليها بالسيارات أمراً صعباً، وهناك ضغوطٌ أمريكية على حكومة باكستان وأفغانستان بعدم مساعدة اللاجئين؛ خوفاً من اشتعال المنطقة بالجهاد في سبيل الله عز وجل وهذا أحد الأسرار في ضغط أمريكا على باكستان، حتى إنه بالأمس جاءت مجموعة من الخبراء الأمنيين الأمريكان إلى باكستان للتحقيق في قضايا الإرهاب، تريد أن تحقق مع العرب، وتريد أن لا تتحول طاجكستان إلى أفغانستان أخرى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015