التهرب من القيام ببعض الأعمال

من صور التنصل أيضاً: التهرب عن بعض الأعمال التي ربما ادعاها الإنسان في وقتٍ من الأوقات أي: أن الإنسان قد يدَّعي شيئاً ما ثم يتنصل منه، مثل ما يذكر في الطرائف والنكت: أنّ أحد الخلفاء جيء له بشيء فأعجبه هذا الشيء، فقال: من الذي فعل هذا؟ فسكتوا، فقام الخليفة وقال: إني سوف أعطيه جائزة.

فقام إنسان وقال: أنا الذي فعلتها.

فقال: اجلدوه مائة جلدة.

فقاموا وجلدوا هذا الإنسان مائة جلدة، فلما انتهوا قال: اجلدوا فلاناً لأنه هو الذي فعلها على سبيل الحقيقة.

فلما كان يتصور أن هناك جائزة قام يدعي، لكن لما عرف أنه لا توجد جائزة إلا العقوبة، قال: على الأقل أشركوا معي الفاعل الحقيقي لهذا الأمر فهذه مشكلة.

وقد تجد كتاباً من الكتب، يؤلف الكتاب ولا يذكر عليه اسم المؤلف، إنما يذكر اسم رمزي، لأنه خائف أصلاً -وهذا حصل أكثر من مرة- ما استطاع أن ينشر الكتاب باسمه الصحيح، لأنه خائف أن تقدم على هذا الكتاب، حمله شرسة، وهجوم كاسح، وقد يعاقب صاحبه، إذا انتشر الكتاب ولم يذكر اسمه، فلما رأى الكتاب راج وانتشر، وطبعت منه مئات الآلوف من النسخ، وكتبت عنه الصحف وأشادوا به، قام وادعاه وقال: أنا الذي ألفت الكتاب.

فهذا نوع من التهرب والتنصل من مسئولية عمل قام به الإنسان، يدل على ضعف الشجاعة.

أذكر أنه في بعض البلاد الإسلامية، كان هناك نوع من مقاومة الأعداء في ذلك البلد، فلما كانت القضية أن توقع الانتصار بين عشية وضحاها، كان هناك أطراف عديدة كل واحد يقول: أنا الذي بدأت أنا الذي بدأت.

فلما رأو أن الأمر آل إلى عاقبة غير محمودة ولا مرضية، أصبح كل إنسان يلقي بالتبعة والمسئولية على الأطراف الأخرى، ويحاول أن يتخلص هو أو يتنصل منها، ويقول: الذي بدأ أو الذي جر إلى هذا الأمر هو فلان أو علان.

على سبيل المثال: هذا المثال الذي ضربته: إعلان الجهاد في بلد معين, وإعلان الجهاد أنا أعتبره قراراً تاريخياً ليس بالأمر السهل، إذاً: كيف يتم هذا الأمر؟ من هو الذي بدأ هذه القضية، حتى تتحدد المسئوليات بشكل واضح؟ هذه القضية تحتاج إلى نظر وتأمل، بمعنى أنه ينبغي على المسلمين أن يدرسوا أمورهم، ولا يتخذوا قرارتهم إلا بدقة متناهية، وبصورة جماعية مدروسة، لئلا تؤول القضية إلى تبرم وتنصل من المسئولية، كما ذكرت لكم في بلد ما، لما كان الجهاد في أوله، وكانوا يتوقعون نصراً سريعاً صار كل إنسان يدعي، فلما رأوا أن الأمور انتهت، أصبح كل إنسان يتنصل ويلقي بالمسئولية على غيره، هذا ليس بجيد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015