عبودية العادة

ومن ألوان العبودية: العبودية للعادة، والعبودية للوضع الراهن، وهذه من أكبر العبوديات التي ووجهت بها دعوة الإسلام -دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام- فكل نبي قام يقال له: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف:22] {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [يونس:78] وكم حرص الناس على حفظ سلوكهم وعاداتهم وتقاليدهم أكثر من حرصهم على دينهم، ولعلك تجد -وهذا مثل صغير حتى يكون الكلام واقعياً- لعلك تجد الأسرة -اليوم- من المسلمين يزوجون الفاسق فلا يعترض أحد، ولا يقاطع هذا الزواج أحد لكنهم حين يزوجون إنساناً آخر غير ذي نسب تثور القبيلة عن بكرة أبيها، وتعترض بألوان الاعتراض بالقلب واللسان واليد، وكم شرق الناس بألوان من الخير والدعوة والمعروف، وضاقوا بها ذرعاً وحاربوها؛ لأنها غير مألوفة وغير معهودة لديهم ولم تكن موروثة من الآباء والأجداد.

ويقولون عن الواحد منا كذا، وقد رأينا من الآباء والأجداد كذا، ولم نر مثل هذه الأعمال، ويستغل رجال الإعلام المزور هذه العاطفة عند الناس للمحافظة على الموروث، فيشغبون في وجه كل داع بأنه سوف يغير المألوف ويمزق المجتمع، وأنه يضل الآباء والأجداد، وبالتالي فهو مشكوك في ولائه للمجتمع، ومن قبل كانت قريش تقول للناس: إن النبي صلى الله عليه وسلم يسفه الأحلام ويضل الآباء والأجداد، وقوم نوح كانوا يقولون: {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً} [نوح:24-25] فيثيروا مشاعر الناس في مقاومة الداعية بمثل هذه الأساليب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015