من ألوان العبودية، عبودية الإنسان للمال وقد جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: {تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم الخ} فسماه عبدًا لهذه الأشياء كيف لا يكون عبداً لها وهي كل قلبه وهمه، فمن أجل المال يقيم العلاقات والصداقات، ومن أجلها يكرر المجاملات، ومن أجلها يسكت عن الجرائم والمخالفات، ومن أجلها يقطع رحمه ويعق والديه ويهمل زوجته وولده، ومن أجلها يسهر الليالي؛ بل يحرم -أحياناً- من الراحة في نفسه وفي طعامه وفي شرابه وفي منامه.
وهل رأيت عبداً أكثر إخلاصاً وأكثر تفانياً وأكثر سهراً وأكثر استماته من عبد المال؟! ما الذي أذل أعناق الرجال؟! ما الذي وأد الكلمة الحرة في أفواههم؟! ما الذي لقنهم دروس النفاق والتذلل والمجاملة؟! إلا عبوديتهم للمال وقد نسي الكثيرون قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58] فأصبحوا وإن قالوا هذا بألسنتهم؛ إلا أنهم يعتقدون في قلوبهم أن الضار النافع والمعطي المانع الرازق هو فلان، فيتقربون إليه بسائر أنواع التقربات التي لو تقربوا بها إلى الله تعالى لرضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ورزقهم في الدنيا حلالاً طيباً، وكانت الجنة في الآخرة مثواهم، ولحققوا ما يريدون مع حفظ كرامتهم وعزتهم وإنسانيتهم لكن أكثر الناس لا يعلمون!! وإن ما يحول دون تحقيق الأهداف -كما ذكرت لكم قبل قليل- أن يصبح كثير من المسلمين أسرى للمال وللقمة العيش التي يبحثون عنها؛ لذلك ينشغلون بها عما يجب من انشغالهم بأمور دينهم وآخرتهم.