نعود إلى قضية الأرض الإسلامية التي احتلها الكافر أو احتلها المنافق كيف السبيل إلى تحريرها؟ أولاً: نحن لا نعترض على تحرير أرض الإسلام من أعداء الدين -من الكفار والمنافقين- على الإطلاق، ولا شك أن الذي يقول: أنا علماني -مثلاً- وقد أجروا في مرة من المرات مقابلة مع ياسر عرفات فقال: أنا أريد أن أحكم فلسطين بالعلمانية.
ونحن نقول: هذا العلماني يجب إقامة الحرب عليه كما يجب إقامة الحرب على اليهودي سواء بسواء، ولا فرق عندنا بين كفر اليهودي وكفر العربي، فالكفر كله ملة واحدة، ونحن نعتقد أن تحرير الأرض الإسلامية ليس من أجل شيء إلا من أجل أن تحكم بدين الله وشرعه فقط، أما أن تحرر لتحكم -بالعلمانية- مثلاً أو بالاشتراكية فإن هذا أمر لا يكون في حس المسلم أبداً.
تحرير الأرض الإسلامية مطلب شرعي بل هو واجب في عنق كل قادر مستطيع، وقد أجمع العلماء على وجوب مدافعة الكفار عن أراضي المسلمين، على كل من يستطيع ذلك بنفسه أو ماله أو بهما معًا.
بل أبعد من هذا، ليس فقط تحرير الأرض الإسلامية التي احتلها الكافر والمنافق كلا؛ بل إن شعيرة الجهاد التي لا يملك أحد إسقاطها لا تملك أمريكا ولا إسرائيل ولا يملك عملاؤها من العرب إسقاطها؛ بعد أن أثبت الله تعالى وأثبت الرسول صلى الله عليه وسلم دعائمها، وأثبت النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في خطاب صريح أن الجهاد لا يزال قائمًا إلى قيام الساعة، هذا الجهاد أعلنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قائم إلى قيام الساعة؛ وذلك من خلال الإعلان -أحياناً- عن بقاء رجال الجهاد المدافعين الذين يحملون رايته؛ وهم الطائفة المنصورة، والحديث في ذلك متواتر، وأحياناً أعلن بقاء الجهاد من خلال بقاء الآلة وهي الخيل التي يعقد في نواصيها الخير إلى يوم القيامة؛ والحديث في ذلك -أيضًا- متواتر؛ ومثله السيف والرمح الذين بعث بهما الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عمر في سنن أبي داود: {بعثت بالسيف بين يدي الساعة} .
وقال في آخر الحديث: {وجعل رزقي تحت ظل رمحي} ومن عجيب رحمة الله تعالى بأوليائه -هذا استطرد على أي حال- أن يكون هذان المعنيان متواتران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمعنى بقاء رجال الجهاد وبقاء آلة الجهاد في أيديهم تثبيتاً لقلوب المؤمنين وتطميناً لهم؛ بل أعجب من ذلك أن الله تعالى أثبت هذا المعنى وأورده في لفظ صريح في القرآن الكريم وذلك في قول الله تعالى في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54] .
وقد فسر العلماء هذه الآية بتفسيرات، قيل: الذين يأتي بهم الله تعالى إذا ارتد الناس عن دينهم فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه قيل: أبو بكر ومن معه قاتلوا المرتدين، قال ذلك قتادة والضحاك والسدي والحسن البصري، وقيل: أبو موسى الأشعري وقوم من أهل اليمن، وقد صح هذا مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق، وقيل: هم أهل القادسية أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس، وأجمع وأصح ما قيل في ذلك هو ما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: [[هذا وعيد من الله أنه من ارتد منكم عن دينه سيبدل الله خيراً منهم]] .
أي: أن الآية عامة في كل زمان وفي كل مكان، كلما حصلت حادثة ردة قيض الله تعالى قوماً بهذه الصفة، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، يحبهم ويحبونه يقاتلون في سبيل الله ويجاهدون في سبيله ولا يخافون لومة لائم، فـ أبو بكر وأصحابه نموذج، وأهل اليمن نموذج، وأهل القادسية نموذج، والسنة قائمة أمس واليوم وغداً {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54] .
فهذا وعيد في طياته وعد -كما هو واضح- بأن هذه الراية المحمولة لا يمكن أن تسقط أبداً: إذا ما راية رفعت لحرب تلقاها عرابة باليمين إذا مات فينا سيد قام سيد قؤول لما قال الكرام فعول والمهم: أن هذا الجهاد قائم بحكم الله وبحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تملك قوة في الدنيا، وأؤكد على هذا المعنى لأن كثيراً من القلوب داهمها اليأس، والذي يؤمن بهذه المعاني لا يمكن أن ييئس أبداً، فالله يقول لك: إن الأمر باق، وأنت تشك، والرسول عليه الصلاة والسلام يؤكد لك أن حملة الجهاد وقواد المعارك الفاصلة باقون إلى قيام الساعة، وأن آلة الجهاد باقية أيضاً، وأنت تشك؟! نعوذ بالله من الحور بعد الكور، أو أن نرتاب في أمر الله تعالى وخبره، أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم.