إذاً نحن الآن أمام عدد من البقاع الإسلامية التي احتلها الكفار كالأندلسو أفغانستان وفلسطين والجمهوريات التي كانت في الاتحاد السوفيتي، فهذه عدد من الرقاع، لكننا نقارن ذلك فنجد أن الرقعة الإسلامية أصبحت نهباً للمنافقين الذين احتلوها بغير سلاح، وليس بالضرورة عن طريق الثورات، فقد هيمنوا على العالم الإسلامي باسم العلمانية تارة، وباسم الوحدة الوطنية تارة أخرى، وباسم نظرية الحق التاريخي الذي يخولهم ذلك مرة ثالثة، ولا بكاء ولا دموع على هذه الأرض الإسلامية التي أصبحت تحكم بالمنافقين؛ بل أصبح ذلك الواقع واقعاً شرعياً في نظر الكثيرين، ولعله -أحياناً- يكون مثيراً للدهشة أنك تجد المسلمين يعيشون تناقضاً ليس له حد.
قال لي مرة أحد الإخوة -وهو زعيم من زعماء المجاهدين في بلد ما-: بلدنا ينقسم إلى قسمين، قسم حر، وقسم محتل.
فقلت له: وما هو الفرق؟ قال: إننا نقوم بأعمال الآن في القسم المحتل، فنقوم مثلاً بتفجير أماكن السينما والدعارة وأماكن الفجور والفساد وغير ذلك بعدما نهدد أهلها مرة ومرة؛ وبعد ذلك نقوم بالتفجير في الأرض المحتلة، فقلت له: والأرض المحررة ماذا يقع فيها؟ هل فيها هذه الأشياء؟ قال: نعم فيها بيع الخمور، وفيها السينما وبيع الفيديو، وفيها أماكن الدعارة، وفيها أنماط الفساد كأي بلدٍ آخر.
قلت له: إذاً أنتم تحررون هذه البلاد وتذهب الأرواح في سبيلها من أجل ماذا؟! من أجل أن تصبح مثل تلك الأرض الحرة يباع فيها الفساد ويباع فيها الهوى والدعارة، ويمارس فيها حرب الله ورسوله علانية؟!! ما هذا التناقض الذي نعيش فيه؟! هذا التناقض هو -واضح جدًا- أنه إذا حكم كافر صريح معلن اسمه -مثلاً- اسم كافر نصراني أو يهودي ودينه كافر وتاريخه كفري، ثار المسلمون وضجوا، لكن إذا حكم منافق يحمل اسماً إسلامياً ويحمل جنسية إسلامية أو جوازاً إسلامياً فإن الجميع يذعنون ويسكتون؛ لأنه جزء من الوطن يحكمهم باسم العلمانية وباسم الديمقراطية، وباسم الوحدة الوطنية وبغير ذلك من المسميات، فصار هذا الواقع واقعاً شرعياً في نظر الكثيرين ويلتمسون له المعاذير بكل وسيلة، وهؤلاء المنافقون الذين حكموا في طول بلاد الإسلام وعرضها يعلنون في كثير من الأحيان أهدافاً ولا يحققونها، والمسلمون يفتنون على أيديهم في كل عام مرة أو مرتين؛ ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون.
وطالما رفع هؤلاء -مثلاً- شعار الدين والحكم بالإسلام وتحكيم الشريعة الإسلامية وعدم الخروج عنها قدر أنملة فإذا هم يحكمون بنظام الغرب من خلال هذا الكلام، ولعل جزءاً منكم كانوا يسمعون منذ زمن أن عقيد ليبيا أعلن زماناً من الأزمنة أنه سوف يطبق الإسلام، وبدأ بالزكاة وبعض الحدود، وجمع أموال الناس باسم الزكاة، ثم صادر أموالهم وزج المسلمين في غياهب السجون، وصار من يصلي صلاة الفجر مع المسلمين لا يدرى أين مصيره، فالقتلى عشرات الألوف والداخل في هذه السجون مفقود والخارج منها مولود، والعالم كله يعرف أخبار المشردين والهاربين من جحيم العقيد الذي كان يوماً من الأيام يرفع شعار الإسلام، فأعلنوا الحكم بالدين والدعوة إليه وغير ذلك، وحققوا بعض الإصلاحات الشكلية الوهمية، وإذا بهم وراء ذلك يسنون السكاكين للقضاء على المسلمين، والإجهاز على البقية الباقية من الروح الإسلامية في نفوسهم.
أعلنوا قضية الوحدة وما أكثر الوحدات التي أعلنوا عنها في المشرق والمغرب والشمال والجنوب بين مصر وسوريا، وبين المغرب وليبيا، وبين المغرب والجزائر، وبين المغرب وتونس، وبين المغرب والسودان، وبين المغرب وليبيا، ومصر، وبين ألوان من الوحدة ودعاوى عريضة ومؤتمرات ومؤسسات، وجهود ولقاءات، ولجان وغير ذلك، وما زال العالم الإسلامي والعربي لم يشهد عبر تاريخه الطويل ألواناً من الشتات والفرقة مثلما يشهده الآن.
وتحدثوا عن الرفاهية التي سوف يؤمنونها، وإذا بهذه الرفاهية التي ترفع تارة باسم الاشتراكية، وتارة باسم إصلاحات مالية، وتارة باسم تخفيض الرسوم والضرائب، إلى غير ذلك؛ أصبحت الرفاهية التي ينادون بها ليست سوى مساواة الأغنياء بالفقراء عن طريق إفقار الغني؛ وأن يكون المال دولة بين فئة خاصة من ذوي النفوذ أو من أصحاب رؤوس المال، أو من الحاشية والبطانة أو من غيرهم، ممن لا هم لهم إلا ملء جيوبهم وبطونهم، أما بقية الشعوب فهي مسحوقة ليس لها من الأمر شيء ولا تجد القوت الذي تأكله، وهذا أمر مراد؛ لأن سياسة التجويع تجعل الإنسان يقع في هذا الطوابير الطويلة الموجودة في أنحاء العالم الإسلامي، في انتظار الخبز -مثلاً- وفي انتظار لقمة العيش، ليس لديها -أي: الشعوب- وقت للتفكير للإسلام، ولا أن تضحي في سبيل الدين ولا أن تهتم بأمور المسلمين؛ لأن من الطبيعي أن الإنسان إن كان مشغولاً ببطنه وبحقوقه الخاصة فليس لديه وقت أن يفكر بغيره، وربما الإنسان يلهو حتى عن ولده وعن زوجه وعن أمه وعن أبيه بنفسه، فكيف سيفكر في الأبعدين؟ فهذه سياسة التجويع وراءها ما وراءها، المهم: أنهم رفعوا شعار ترفيه الشعوب باسم الاشتراكية تارة، وباسم الإصلاحات المالية تارة أخرى، وبأسماء وألوان كثيرة، والنتيجة التي تعرفها الشعوب كلها أن العالم الإسلامي هو أفقر منطقة في العالم كله، حزام البؤس، والعالم الرابع ففي بلاد كشمير وبنجلادش وغيرها يموت الناس جوعًا لا يجدون لقمة العيش، الأطفال يتفوّرون، ومستوى دخل الفرد أضعف مستوى في العالم كله، وغالبية الشعوب الضعيفة هي من الشعوب الإسلامية التي تملك أغلى وأثمن ثروة في العالم.
إذاً هؤلاء تكلموا ونادوا الناس وخدعوهم باسم الدين تارة وباسم الوحدة الوطنية تارة، وباسم تحقيق الانتصارات والمكاسب على العدو تارة، وباسم تحقيق الرفاهية للمواطن تارة، وكل ذلك فشل.
إذاً فقد هؤلاء مبرر وجودهم، فلا بد أن يبحثوا عن تلوين آخر أو طريقة أخرى.