الاحتلال الشيوعي لأفغانستان

أرض أخرى نتكلم عنها كثيرًا وهي أفغانستان، وأفغانستان قد احتلها مائة وخمسون ألف خبير سوفيتي -كما تقول بعض الإحصائيات- انتشروا فيها وفي مراكزها، لكن قبل ذلك قامت حكومة شيوعية من نفس البلاد -كما هو معروف- تنادي وتقوم على أساس شيوعي ماركسي، تدعوا روسيا للتدخل، فحين سيطر الشيوعيون حولوا الحياة في أفغانستان إلى جحيم لا يطاق؛ ولذلك كانت أفغانستان نمطًا فريداً بين الأمثلة السابقة كلها تقريبًا، كانت نمطًا فريدًا لأنه ليس هناك شعب في أفغانستان بدلاً من شعب آخر، لا، إنما هو الشعب نفسه انقسم إلى مسلمين وإلى شيوعيين، فاحتل الشيوعيون أو قاموا بالهيمنة على الحكم وسيطروا عليه، وحاولوا تحويل الحياة إلى حياة شيوعية، ثم هب الشعب الأفغاني للمقاومة والمدافعة والقتال على ما هو معروف.

فهذا نمط فريد، وكان المتوقع ألا يحدث شيء؛ لأن كثيراً من الثورات قامت في العالم الإسلامي، ونحن نعرف في العراق وفي سوريا قامت ثورة بعثية منذ زمن طويل، وحكمت الناس بالحديد والنار، وملأت السجون بالمسلمين والعلماء، وغيرت أخلاق الناس وعقولهم وعقائدهم، وسلطت أجهزة الإعلام على مسخ الإنسان المسلم، ونجحوا في ذلك إلى حد بعيد وما حصل شيء يذكر.

أما في أفغانستان فالذي حصل هو أمر مختلف تمامًا، والسبب أنه رصدت مجموعة من الأسباب قد لا تكون هي كل الأسباب:- أولاً: أنها قضية جديدة نسبياً، فهي منذ اثنتي عشرة سنة فقط، واثنتي عشرة سنة، فترة غير كافية أن ينسى المسلمون دولة مثل أفغانستان، هل يمكن أن ينسى الإنسان عضوًا مقطوعًا منه بهذه السهولة؟! لا، وبالمقارنة تجد اليهود أو المتهودين من العرب والغرب كذلك يطمعون أن يكون المسلم قد نسي أرض فلسطين، التي هي في الأصل أرض إسلامية، يطمعون الآن -وإن لم يكن يطمعون بذلك من قبل- لأنهم يعتبرون أن المدة الطويلة التي مضت كافية، لكن في ظل مشاعر الإحباط واليأس التي يعيشها المسلمون الآن وتحت تسلط الأنظمة الخيانية يمكن أن تحدث أشياء كثيرة؛ ولهذا ظنوا وتصوروا أنه يمكن جدًا أن ينسى المسلمون أن فلسطين كانت يوماً من الأيام أرضاً إسلامية، أما أفغانستان فالمدة قريبة؛ فلذلك لا يزال الجرح نازفًا جديدًا.

السبب الثاني: هو طبيعة موقع أفغانستان من نواحٍ عديدة، فهي على أقل تقدير مسرح للصراع منذ زمن طويل، وفي الفترة الأخيرة كانت بوابة على العالم العربي والإسلامي بالنسبة لروسيا، وفي نفس الوقت كانت مسرح الصراع بين النفوذ الروسي وبين النفوذ الأمريكي الذي يقع في أفغانستان وما حولها؛ لذلك كان هناك -على الأقل- تأييد من أمريكا للمقاومة الأفغانية، فلما سقط الاتحاد السوفيتي تخلت أمريكا أو أعلنت تخليها وإن لم تكن تدعمهم دعمًا حقيقيًا من قبل، لكن تخلت حتى عن الدعم الإعلامي، أو الدعم في المحافل الدولية.

السبب الثالث: هو راية الجهاد التي رفعت قوية في أفغانستان، فكان يقف في مقدمتها مجموعة من العلماء والدعاة المعروفين والمشهورين الذين كانوا على صلة بالعالم الإسلامي، واستقطبت تلك الراية الجهادية شعب أفغانستان المهاجر، واستطاعت بالثقة التي كسبتها داخل أفغانستان، والثقة التي كسبتها في العالم الإسلامي، أن تجعل من قضية أفغانستان قضية حية فاعلة مؤثرة لا يمكن أن ينساها المسلمون، فهي تعيش في مشاعر الكبار والصغار والشيوخ والأطفال -فضلاً عن الشباب المتوثب المتحمس- حتى إن الطفل جهاد يدفع قيمة السندوتش الذي أعطته أمه له من أجل أنه سمع داعيًا ينادي للتبرع لأفغانستان، وهذا مجرد نموذج صغير وقد ساعد على ذلك -أيضاً- وجود قدر كبير من الروابط بين أفغانستان والعالم الإسلامي، فلم تكن أفغانستان تعيش عزلة كالجمهوريات السوفيتية المجاورة لها التي ضمها الاتحاد السوفيتي إليه.

السبب الرابع: هو أن قضية أفغانستان تكونت وتفاعلت في زمن الصحوة الإسلامية بعدما زال عن المسلمين الغبش الذي كانوا يعيشونه، وحصل هناك شيء من الانتعاش الإسلامي، فكانت أفغانستان متنفسة للمضطهدين في كل بلاد العالم الإسلامي، كما كان رجال الصحوة وشبابها وقود هذه الحرب الشرسة التي لم تتوقف بعد، ويقدر عدد القتلى فيها بنحو مليون -نسأل الله تعالى أن يكونوا شهداء في سبيله- أما الأموال التي ضاعت فحدث ولا حرج، ولا نقول ضاعت فهي إن شاء الله محسوبة عند الله تعالى بنيات أهلها المخلصين، ولعله من أمارات التخلف لدى المسلمين ألا نملك نحن الآن رقماً إحصائياً دقيقاً عن عدد القتلى، ولا نملك -أيضاً- رقماً إحصائياً دقيقاً عن قيمة الأموال، ومجموع الأموال التي صرفت في هذا السبيل، وكان المفروض أن نملك رقمًا عن هذا وذاك وعن غيره.

وبالمقابل فقد كانت قضية أفغانستان -لأنها جزء من إنجازات الصحوة إن صح التعبير- صورة عكسوا عليها السلبيات الموجودة في الصحوة الإسلامية.

مثلاً التشرذم والتشتت والتفرق الذي يصل -أحياناً- إلى حد التقاتل والتطاحن على نحو ما حصل في كنر، وقبلها حصل في مواقع ونقاط عديدة في أنحاء أفغانستان.

قضية ثانية: قضية الارتجالية وعدم وجود التخطيط الدقيق، وعدم وجود الدراسات العلمية المصاحبة لأي خطوة سواء أكانت خطوة عسكرية أم خطوة سياسية؟! قضية ثالثة: المبالغة الإعلامية، وعدم القدرة على التزام الموضوعية في الأخبار والتحليلات والتوقعات بشكلٍ جيد، وكذلك عدم القدرة على نقد الذات ومراجعة المواقف والتصرفات بشكل صحيح منصف وشجاع، وهذه جوانب من السلبيات لا أقول موجودة في أفغانستان؛ بل هي موجودة في عقولنا نحن المسلمين وفي حياتنا وفي شخصياتنا جميعًا، وانعكست على أي عمل نقوم به سواء أكان في أفغانستان أم غيرها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015