الاحتلال اليهودي لفلسطين

ولذلك كان من سوء حظ اليهود كما يقول بعضهم اختيارهم فلسطين ليقيموا فيها؛ لأنها أرض في قلب العالم الإسلامي وهي أرض فيها المسجد الأقصى الذي تهفو إليه مشاعر المسلمين، ويشكل رابطة إيمانية وشعورية دائماً وأبداً، وكل مسلم يحفظ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: {لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد} وهو في الصحيحين، وذكر منه المسجد الأقصى، وكذلك جاء في الحديث الصحيح أن الصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة.

إذاً: هناك روابط إسلامية عميقة تربط المسلمين بفلسطين وتربط فلسطين بالمسلمين في كل مكان؛ وهي الأرض المباركة {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء:1] .

الأرض التي باركنا فيها للعالمين: فهي أرض مباركة بارك الله تعالى فيها وبارك حولها وفيها الكثافة الإسلامية الغنية، وحولها الكثافة الإسلامية الغنية، وهي قريبة من الوسط قريبة من مركز الثقل في العالم الإسلامي؛ ولذلك كان حظ اليهود تعيساً حين اختاروا فلسطين، ومازال المسلمون مشاعرهم وقلوبهم تهفوا إلى فلسطين، وتتحدث عنها وتحن إليها؛ ولذلك لا يمكن أن يقر لليهود فيها قرار، ولهذا تجد أن الشعراء طالما تغنوا بفلسطين وتكلموا عنها، وهناك مئات بل آلاف الدواوين وفيها عشرات الآلاف من الأبيات الشعرية والقصائد الجميلة التي تتغنى بفلسطين وتحن إليها، وتتكلم عن جرائم اليهود فيها: خلت فلسطين من أبنائها النجب وأقفرت من بني أبنائها الشهب طارت على الشاطئ الخالي حمائمه وأقلعت سفن الإسلام والعرب يا أخت أندلسصبراً وتضحية وطول صبر على الأرزاء والنوب ذهبت في لجة الأيام ضائعة ضياع أندلسمن قبل في الحقب وطوحت ببنيك الصيد نازلة بمثلها أمة الإسلام لم تصب ودواوين الشعراء من مصر والشام والعراق وفلسطين وغيرها كانت ومازالت تملأ رفوف المكتبات، حتى النصارى من أهل الشام وفلسطين طالما تغنوا بفلسطين وتكلموا عليها وعنها لأن لهم فيها علاقات، ولهم فيها وجود، ولهم فيها ارتباطات، فهناك فارق إذاً حيث إن فلسطين من حيث موقعها ومن حيث مكانتها الدينية تختلف كثيراً عن تلك الجمهوريات البعيدة التي لم يكن للمسلمين بها اتصال كبير.

فارق آخر: وهو أن العمل الذي جرى في فلسطين هو كان إحلال شعب مكان شعب آخر، فاليهود يتنادون من أنحاء العالم للهجرة لطرد المسلمين منها، وإحلال شعب اليهود الداعر الفاسق مكان الشعب المسلم في فلسطين.

وشعب اليهود بطبيعته حين يأتي إلى فلسطين لا يأتي لها كأي قطعة أرض، لا؛ بل إنه متدين يأتي إلى فلسطين وبكونها حائط المبكى وبكونها أرض الميعاد، وبكونها أرض النبوءات، فهو يختار هذه البقعة اختيارًا دينيًا وهو شعب متدين؛ ولذلك كانوا يقولون: ليس اليهود هم الذين حفظوا التوراة، لكن التوراة هي التي حفظت اليهود.

أي: إن تمسك اليهود بالتوراة وحرصهم عليها هو الذي ضمن لهم البقاء والاستمرار والوحدة والقوة، وجعلهم على رغم التحدي والكيد والضربات الشديدة الموجعة التي وجهت إليهم يحتفظون بعنصريتهم وقوميتهم ويتجمعون بين وقت وآخر، فيحفظهم ذلك من الذوبان كما ذاب الجرمان -مثلاً- في الأوروبيين، وكما ذاب التتر في المسلمين حين غزوهم، ومن الملفت للنظر أن فلسطين صغيرة المساجد جداً، لكن الدماء تسيل حولها بغزارة عبر القرون وهذا يؤكد لك أنها أرض غالية، وأن إقامة اليهود فيها إقامة محدودة مهما أوهموا أنفسهم أو أوهمهم غيرهم بخلاف ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015