فمثلاً أرض الأندلس استأثرت بقدر كبير جداً من مشاعر الشعراء وأقوالهم: فاسأل بلنسية ما شأن مرسية وأين شاطبة أم أين جيان وأين حمص وما تحويه من نزه ونهرها العذب فياض وملآن تبكي الحنيفية السمحاء من أسف كما بكى لفراق الإلف هيمان على بلاد من الإسلام خالية قد أقفرت ولها بالكفر عمران حتى المآذن تبكي وهي جامدة حتى المنابر تبكي وهي عيدان حتى المساجد قد صارت كنائس ما فيهن إلا نواقيس وصلبان لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ إن كان في القلب إسلام وإيمان هناك
Q ما هو الذي فقد من الأندلس؟! هل فقدت شوارعها؟! هل فقدت قصورها الباذخة المذهبة؟! هل فقد أهلها؟! أم هل فقدت مساجدها؟! فالمساجد لا تزال قائمة؛ والقصور والشوارع، والناس هم الناس، وإنما الذي فقد شيء واحد هو الإيمان.
إذاً لم يكن عمل النصارى في بلاد الأندلس تهجيراً وطرداً للمسلمين ليغادروها إلى بلد آخر، مثلاً ولم يكن قتلاً فقط، وإنما كان بالدرجة الأولى تكفيراً، أي: حملاً للناس على الكفر بالقوة؛ فمن أدان لهم وكفر تركوه، ومن أصر على إسلامه قتلوه؛ لذلك تجد ما يسمى بالمورسيين ومحاكم التفتيش التي كانت تضطر الناس اضطرارً إلى الإعلان عن الكفر وتغيير أسمائهم إلى أسماء نصرانية، فالذي فقد من الأندلس -إذاً- ليس أرضها ولا مزارعها ولا مبانيها ولا حتى مساجدها ومنابرها، كلا! إنما الذي فقد هو شيء واحد وهو الإسلام.