والنظام الدولي الممكن الصحيح الذي يقبل به الإسلام هو النظام التالي: أولاً: الوحدة الإنسانية باعتبار أن الناس كلهم من آدم، لا يتميز جنس عن جنس ولا لون عن لون، فالإسلام يرفض كل دعاوى التمييز العنصري، فاليهود -مثلاً- يؤمنون بنظرية الشعب المختار، يعدون أن بقية الشعوب ما هي إلا حمير خلقت ليركبها شعب الله المختار، وكلما نفق منهم حمار ركبوا حماراً آخر، والألمان يؤمنون بالدم الجرماني المتميز، فيجب أن يحكم الشعوب ويقف في رأس القائمة، والرجل الأوروبي والأمريكي الأبيض يعد أنه متميز عن بقية الشعوب فهو رقم واحد، وما زال هناك -حتى اليوم- مظاهرات في أمريكا وغيرها تنادي بالاعتراف بالتفرقة العنصرية، وأنهم لا يمكن أن يقبلوا أن الأبيض والأسود على قدم المساواة، وقديماً كانوا يعلقون لوحات، مكتوب فيها: ممنوع دخول السود والكلاب.
وهذا الكلام لا يزال قائماً حتى اليوم، فهم الآن يعملون مظاهرات كثيرة في أنحاء العالم الغربي تطالب باعتراف دساتيرهم بالتفرقة العنصرية بين الإنسان الأبيض وبين غيره من البشر، لكن دون أن يكون هناك عنف أو قسوة.
إذاً الإسلام يؤمن بأن البشر كلهم لآدم وآدم من تراب، وأنه لا فضل لأبيض على أسود، ولا لعربي على عجمي إلا بالتقوى.
الناس من جهة التمثال أكفاء أبوهم آدم والأم حواء فإن يكن لهمُ من أصلهم نسب يفاخرون به فالطين والماء ثانياً: الوحدة الإيمانية على أساس الدين وحده، وهذه الوحدة تتجاوز وحدة الأرض ووحدة الدم ووحدة اللون ووحدة العرق، وهي منطقة الاختيار؛ لأن الإنسان لا يختار لونه ولا جنسه ولا عرقه ولا بلده؛ وإنما يختار الدين الذي يدين به، فالوحدة الإيمانية هي الأساس للوحدة العالمية؛ لأن هذه الوحدة الإيمانية ينبغي أن تكون مهيمنة على الوحدة الإنسانية أو الوحدة البشرية، وعلى هذا الأساس يقوم النظام الدولي الوحيد الذي يمكن أن يعترف به الإسلام، وهذا النظام في الوقت ذاته هو النظام العادل الذي لا يحابي جنساً أو عرقاً أو لغة أو مذهباً على الإطلاق؛ لأن الناس كلهم في ميزان الله تعالى سواء، ولهذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 8] وفي الآية الأخرى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء:135] .