نص البيان

(بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد: فإن الله عز وجل يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن البغي والظلم والعدوان، وقد بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بما بعث به الرسل جميعاً من الدعوة إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، وأمره بإقامة القسط، ونهاه عن ضد ذلك من عبادة غير الله، والتفرق والتشتت والاعتداء على حقوق العباد، وقد شاع في هذا العصر أن كثيراً من المنتسبين إلى العلم والدعوة إلى الخير، يقعون في أعراض كثير من إخوانهم الدعاة المشهورين، ويتكلمون في أعراض طلبة العلم والدعاة والمحاضرين، يفعلون ذلك سراً في مجالسهم، وربما سجلوه في أشرطة تنشر على الناس، وقد يفعلونه علانية في المحاضرات العامة في المساجد، وهذا المسلك مخالف لما أمر الله به ورسوله من جهات عديدة منها: أولاً: أنه تعد على حقوق الناس من المسلمين؛ بل من خاصة الناس من طلبة العلم والدعاة، الذين بذلوا وسعهم في توعية الناس، وإرشادهم وتصحيح عقائدهم ومناهجهم، واجتهدوا في تنظيم الدروس والمحاضرات وتأليف الكتب النافعة.

ثانياً: أنه تفريق لوحدة المسلمين وتمزيق لصفهم، وهم أحوج ما يكونون إلى الوحدة، وأبعد عن الشتات والفرقة وكثرة القيل والقال فيما بينهم؛ خاصة أن الدعاة الذين نيل منهم هم من أهل السنة والجماعة المعروفين بمحاربة البدع والخرافات، والوقوف في وجه الداعين إليها، وكشف خططهم وألاعيبهم، ولا نرى مصلحة في مثل هذا العمل إلا للأعداء المتربصين من أهل الكفر والنفاق، أو من أهل البدع والضلال.

ثالثاً: أن هذا العمل فيه مظاهرة ومعاونة للمغرضين من العلمانيين والمستغربين، وغيرهم من الملاحدة، الذين اشتهر عنهم الوقيعة في الدعاة، والكذب عليهم، والتحريض ضدهم فيما كتبوه وسجلوه، وليس من حق الأخوة الإسلامية أن يعين هؤلاء المتعجلون أعداءهم على إخوانهم من طلبة العلم والدعاة وغيرهم.

رابعاً: أن في ذلك إفساداً لقلوب العامة والخاصة، ونشراً وترويجاً للأكاذيب والإشاعات الباطلة، وسبباً في كثرة الغيبة والنميمة، وفتح أبواب الشر على مصاريعها لضعاف النفوس، الذين يدأبون على بث الشبه، وإثارة الفتن، ويحرصون على إيذاء المؤمنين بغير ما اكتسبوا.

خامساً: أن كثيراً من الكلام الذي قيل لا حقيقة له، وإنما هو من التوهمات التي زينها الشيطان لأصحابها وأغراهم بها، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] والمؤمن ينبغي أن يحمل كلام أخيه المسلم على أحسن المحامل، وقد قال بعض السلف: (لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً) .

سادساً: وما وجد من اجتهاد لبعض العلماء وطلبة العلم -فيما يسوغ فيه الاجتهاد- فإن صاحبه لا يؤاخذ به ولا يثرب عليه إن كان أهلاً للاجتهاد، فإذا خالفه غيره في ذلك كان الأجدر أن يجادله بالتي هي أحسن؛ حرصاً على الوصول إلى الحق من أقرب طريق، ودفعاً لوساوس الشيطان وتحريشه بين المؤمنين، فإذا لم يتيسر ذلك ورأى أحد أنه لابد من بيان المخالفة؛ فيكون ذلك بأحسن عبارة وألطف إشارة، ودون تعرض للأشخاص، أو اتهام للنيات أو زيادة في الكلام لا مسوغ لها، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في مثل هذه الأمور: {ما بال أقوام قالوا كذا وكذا} .

فالذي أنصح به هؤلاء الإخوة الذين وقعوا في أعراض الدعاة ونالوا منهم، أن يتوبوا إلى الله تعالى مما كتبته أيديهم أو تلفظت ألسنتهم به، مما كان سبباً في إفساد قلوب بعض الشباب، وشحنهم بالأحقاد والضغائن، وشغلهم عن طلب العلم النافع، وعن الدعوة إلى الله بالقيل والقال والكلام عن فلان وفلان؛ والبحث عما يعتبرونه أخطاء للآخرين, وتصيدها وتكلف ذلك، كما أنصحهم أن يكفروا عما فعلوه من كتابة أو غيرها مما يبرءون فيها أنفسهم من مثل هذا الفعل، ويزيلوا ما علق بأذهان من يستمع إليهم، وأن يقبلوا على الأعمال المثمرة التي تقرب إلى الله وتكون نافعة للعباد، وأن يحذروا من التعجل في إطلاق التكفير أو التفسيق أو التبديع لغيرهم بغير بينة ولا برهان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من قال لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما} [متفق على صحته] .

ومن المشروع لدعاة الحق وطلبة العلم إذا أشكل عليهم أمر أن يرجعوا إلى العلماء ليبينوا لهم جلية الأمر ويوقفوهم على حقيقته، ويزيلوا ما في أنفسهم من التردد والشبهة، عملاً بقول الله عز وجل في سورة النساء: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:83] .

والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين جميعاً، ويجمع قلوبهم وأعمالهم على التقوى، وأن يوفق جميع علماء المسلمين وجميع دعاة الحق لكل ما يرضيه وينفع عباده، ويجمع كلمتهم على الهدى، ويعيذهم من أسباب الفرقة والخلاف، وينصر بهم الحق ويخذل بهم الباطل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين) .

عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

وبعد ذلك الختم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015