Q يقول: فضيلة الشيخ، ما هي الطريقة الفضلى في توجيه الأهل في البيت إلى التزام الحشمة وعدم الظهور في المظاهر التي لا ترضي الله جل وعلا؟.
صلى الله عليه وسلم من نعمة الله سبحانه أن كثيراً من الشباب بدءوا -لا أقول يفكرون بالاستقامة، فهذا أمر ظاهر- لكن بدأ الشاب المستقيم يفكر كيف يؤثر في البيت الذي يسكنه، وهذا ليس غريباً؛ لأنه جزء من الواجب الملقى على عواتقنا، فيجب على كل شاب منا أن يفكر أولاً: هل له أثر في البيت أم لا؟! وكم هي مصيبة أن يكون بعضنا لا يعرف البيت إلا للأكل والشرب والنوم، ثم تجده في خارج البيت نشطاً متحركاً داعية إلى الله عز وجل، أما في داخل البيت فليس له دور يذكر، والأقربون أولى بالمعروف، والواجب على كل فرد منا أن يسائل نفسه هذا السؤال، وأن يفكر: ما هو الدور الذي يمكن أن أقوم به؟ أما عن الطريقة، فأقول: إن من أهم الوسائل هي أن يبني الشاب شخصية قوية في البيت، بمعنى أن يكسب احترام أهل البيت من الأبوين والإخوة والأخوات.
وكسب احترامهم لا يكون بالعصبية والانفعالات التي تصدر من بعضنا -أحياناً- بدون حساب، أو أن يكون الشاب داخل بيته إمبراطوراً يصدر الأوامر يمنة ويسرة، ويريد من الجميع أن يكونوا جنوداً منفذين، فإذا تخلف أحد في التنفيذ صَبَّ عليه الكلام السيئ، هذا لا يُكسِبُ الإنسانَ الاحترامَ.
إنما يعرف الإنسان حقوقه وحدوده وواجباته، ويحترم الآخرين، ويحاول أن يؤدي الخدمات الممكنة لأهل البيت، وأن يحتفظ بشخصيته، فلا يذيبها في مواقف غير صحيحة، وأن يجعل جزءاً من وقته وقفاً على البيت في خدمة الأبوين ومساعدتهم والقيام بشئونهم، وكذلك الإخوة والأخوات.
ومن كان يكبره من الإخوة فيجب عليه أن يحترمه ويقدره ويطيعه، ومن كان يصغره فعليه أن يرحمه ويحسن إليه ويتلطف معه.
وبهذه الطريقة يبني الشاب له شخصيةً قويةً في البيت، ثم يستفيد من هذه الشخصية في التوجيه، عن طريق الأشرطة والكتب الإسلامية، وقراءة الكتب النافعة -مثلاً-.
فإن الشاب حين يكون صغيراً ويتحدث مع أهله في بعض الأمور، قد لا يقبلون منه، خاصة وأنهم يعرفونه منذ الطفولة، لكن لما يأتيهم بكتاب في أية قضية يريد أن يقنعهم بها ويختار موضوعاً مكتوباً قد كتبه بعض العلماء أو المشايخ؛ فيقرؤه على أهله، فيكون لهذا الكلام من التأثير والواقع أكثر مما لكلامه لو تكلم معهم بنفسه.
وعليه أن يحرص على إزالة المنكرات الموجودة في البيت، والعمل على إخراجها بالطريقة المناسبة، وإن كان له إخوة يحرص على ربطهم بأصدقاء طيبين في المدرسة أو في الحي أو في المسجد أو في غير ذلك.
وهكذا حتى يترك الشاب أثراً في بيته، وبالتجربة يتبين أن كثيراً من الشباب يستطيعون أن يؤثروا لا أقول في إخوتهم وأخواتهم فقط؛ بل حتى في الإخوة الكبار، بل حتى في الوالدين، وتجد بعض البيوت انقلبت من بيوت منحرفة -تماماً- إلى بيوت صالحة، وأصبح أهلها صالحين بتأثير أحد الأبناء الذي قد يكون هو أصغر الأولاد أو من أصغرهم.
فعلى الإنسان ألا يحتقر نفسه لكن لا بد من مراعاة الوقت، وأنه لا يمكن أن يغير الإنسان بيته بين يوم وليلة.
وأقول كلمة أخيرة: بالنسبة لأخواتنا الموجودات في بيوتنا، فإن لهن علينا حقاً أكثر من غيرهن وذلك لأسباب:- أولاً: أن المرأة في بلاد الإسلام كلها وفي بلادنا خاصة تتعرض لحملة شعواء من قبل دعاة تحرير المرأة المندسين في أجهزة الإعلام، في الصحف، في بعض المؤسسات، في المجتمع، والذين يحاولون بكل وسيلة إخراج المرأة المسلمة من بيتها، وخلع الحجاب عنها، وجعلها تختلط بالرجل في ميدان العمل، وفي كل مكان، ولهم في ذلك خطط ليست بالسهلة، وقد كشفها الله عز وجل بقوله: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:27] فهذا سبب.
السبب الثاني: أن الرجل قد يلقى التوجيه في مجالات عديدة؛ فالشاب يلقى التوجيه في المدرسة، ويلقى التوجيه في المركز، وفي المخيم، وفي المسجد، وفي كل مكان، لكن المرأة لا تجد نفس التوجيه، وقلما تسمع الموعظة، هذا سبب آخر.
وثمة سبب ثالث: وهو أن المرأة تختلط ببنات جنسها، والنساء يشيع لديهن التقليد، تقليد بعضهن لبعض، فتجد المفاخرة بين النسوة في الملابس، وفي الأزياء، وفي الحلي، إلى آخره وهذا من أهم أسباب انتشار العادات والتقاليد المنحرفة عند الفتيات.
أخذناها عن طريق التقليد بسبب عدم وجود الحصانة، فإذا أفلح الشاب في أن يجعل من بيته محضناً لتربية المرأة المسلمة، والتركيز على أخواته، وإعطائهن الكتب والأشرطة، وتنمية الاعتزاز لديهن بالإسلام، فنعم ما فعل! أحياناً قد تجد فتاة عندها تدين لكنها تستحي من إظهار هذا التدين، وهذا خطر عظيم، فيجب أن ننمي عند الفتاة -كما ننمي عند الفتى- الشعور بالاعتزاز بالدين، والاستعلاء به على من ليس كذلك، وإعلانه ودعوة الناس إليه والتأثير عليهم.
ولذلك تجد أن المرأة -مثلاً- الأمية أو المتعلمة تعلماً بسيطاً إذا وجدت فتاة جامعية متدينة ومحتشمة ومتمسكة بالإسلام وبالأخلاق الإسلامية؛ فإنها تعجب بها وقد تقتدي بها؛ لأن كثيراً من النساء عندهن أن التدين والتمسك بالأخلاق الإسلامية والحشمة كأنها موروثات جيل مضى.
فلا بد أن نركز على عنصر النساء في بيوتنا، ونعطيهن من الاهتمام أكثر مما نعطي غيره، وإذا صلحت المرأة في البيت أماً وأختاً، وصلح الإخوة، فهم الذين يؤثرون في البيت، وبإمكانهم القضاء على جميع المنكرات الموجودة فيه.