الوسائل المعينة على التحرز من المعاصي

Q يقول: فضيلة الشيخ، ما هي الأشياء التي تمكن الإنسان من التحرز من اقتراف المعاصي خاصة النظر إلى النساء أو الصور وغيرها؟

صلى الله عليه وسلم هناك قضية أو قاعدة مهمة، وهي: أن جميع جوارح الإنسان إنما هي عبارة عن جنود وخدم للقلب، وقد قرر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القاعدة بقوله في الحديث المتفق عليه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه في حديث الشبهات، قال في آخره: {ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب} .

فالجسد كله تابع للقلب، فالقلب المريض بالشهوات يملي على الجوارح أن تشتغل بخدمته، فتجد الجوارحَ منساقةً وراء هذه الشهوات، سواء بالنظر أم بالحركة أم بالهم أم بالبطش أو بغير ذلك.

وكذلك القلب النقي الخالي من المرض بالشهوة تجد الجوارح منصرفة عن هذه الشهوات، فعلى الإنسان الذي يريد صرف جوارحه عن الشهوات أن يعالج قلبه أولاً.

وقد يقول: وكيف أعالج قلبي؟ فأقول: إن القلب مثل الإناء، لا بد فيه من التخلية ثم التحلية، فلا بد أولاً: أن تفرغ قلبك من المواد الفاسدة، تحرص على طرد وإبعاد المعاني والأفكار والمواد الفاسدة من قلبك.

ثم تحرص على تحليته وتزيينه وتحسينه بالمعاني والواردات والأفكار الصالحة، مثلما ما لو كان عندك إناء مملوء بمواد سيئة أو بمواد غير ذات قيمة كالتراب -مثلاً- ثم أردت أن تضع في هذا الإناء شيئاً مفيداً ونافعاً كالعسل -مثلاً- فلو وضعت العسل في هذا الإناء المملوء بالتراب، لانسكب العسل يمنهً ويسرةً؛ ولم يبق في الإناء منه شيء.

لكن لا بد أن تزيل ما في الإناء، تخلي الإناء من هذه المواد الفاسدة الموجودة فيه؛ حتى يصبح محلاً قابلاً للأشياء الصالحة، ثم تضع فيه العسل أو غيره.

فعلى المرء أن يشتغل بإصلاح قلبه عن طريق العبادات والأذكار ومناجاة الله عز وجل، وإلزام نفسه بأوراد من ذلك، لا تتخلف مهما تكن الظروف.

ثم عن طريق إشغال سائر أوقات حياته بالنشاطات المفيدة مع القرناء الصالحين الذين يعينونه على هذا الطريق؛ لأنه لا بد لك من رفيق في هذا الطريق، وإلا فربما انفرد بك الشيطان، فأضلك بزيادة أو نقصان.

وباستمرار الإنسان في هذا الأمر سيجد أن نفسه تلين له شيئاً فشيئاً، لكنه لن يجد أنه قد وفد إلى نهاية المطاف، وسلم من وسوسة الشيطان، لأن هذا المبلغ أو هذه المرتبة لم يصل إليها إلا النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال كما في الصحيح: {ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: حتى أنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير} .

فمن عدا الرسول صلى الله عليه وسلم فقد سلط عليه الشيطان يكيد له، وحتى وأنت في فراش الموت ستجد كيداً ومحاولة ووسوسة من الشيطان، فلا تظن أن الطريق ينتهي أبداً: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] والإنسان ما لم يمت على الإسلام، أي ما دام حياً فهو في خطر، الحياة كلها خطر ولا بد، لكن على الإنسان أن يعتصم بالله عز وجل، ويجاهد نفسه في مرضاة الله، وهذا هو المجاهد، ويهجر الخطايا والذنوب، وهذا هو المهاجر.

والله عز وجل تكفل لهذا بالهداية، كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015