تعب السعداء مؤقت ينتهي بالموت، بخلاف الأشقياء

الفرق الثالث: أن تعب السعداء مؤقت، فهو ينتهي بالموت، حيث يجد الإنسان عند الموت من التثبيت والبشرى إن كان من المؤمنين ما بينه الله عز وجل في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:30-31] .

أما الأشقياء فإنهم على شقاوتهم في الدنيا يجدون عند الموت من النذر والعلامات على شقاوتهم ما يجعلهم يموتون شر ميتة، ثم يجدون في قبورهم وفي الآخرة ما يصدق ذلك.

والحياة الدنيا مهما تطل فهي قصيرة، وهذا وحده كاف في أن يجعل الإنسان يشعر أنه -ولو أطبقت عليه الشقاوة في الدنيا من كل جانب- ما دامت هذه الشقاوة تنتهي بالموت، فإنها تحتمل في سبيل الله عز وجل.

ولذلك فإن الإنسان عند الموت لا بد أن يشعر بالألم والندم، فإن كان مؤمناً ندم ألا يكون ازداد، وإن كان فاسقاً أو عاصياً ندم ألا يكون نزع من معصيته.

ولذلك أيضاً فإن الإنسان في يوم القيامة يستقل كل تعب لقيه في سبيل الله عز وجل، حتى إنه لو قضى حياته كلها في شقاء وفي ألم، ويضرب بالسياط ويواجه ألوان المذلة في سبيل الله، إنه يستقل ذلك إذا رأى ثوابه يوم القيامة.

ولذلك ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: {يؤتى يوم القيامة بأشد أهل الدنيا بؤساً من أهل الجنة، فيصبغ في النعيم صبغة، ثم يقال له: يا ابن آدم! هل رأيت شراً قط؟ هل مر بك بؤس قط؟ أي في الدنيا، فيقول: لا والله يا رب، ما رأيت شراً قط! ولا مر بي شدة قط!، ويؤتى بأشد أهل الدنيا نعيماً من أهل النار، فيصبغ في العذاب صبغة، ثم يقال له: يا ابن آدم! هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما رأيت خيراً قط! ولا مر بي نعيم قط!} .

صبغة واحدة في النعيم أنست المطيع كل شقاء الدنيا، وصبغة واحدة في العذاب أنست العاصي جميع لذات الدنيا، وهذا هو القول المبين الذي لا شك فيه ولا امتراء.

فكل ما تلقاه -أيها المطيع- في سبيل الله فهو هين في جنب الله عز وجل، وهين بالقياس ما سلمت منه من العذاب، وهين بالقياس إلى ما لقيته من النعيم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015