حقيقة القضية الأفغانية

أنا قد أقدر إنساناً يهتم بهذه القضية، ولكنه يُفكر فيها بطريقة مختلفة، ليس شرطاً أن يوافقني على تفكيري وأسلوبي، لكن المهم هو أن يهتم بالقضية، أما كونه ينام ملء جفنيه وكأن الأمر لا يعنيه، هذا ليس بصحيح.

إذا لم تعنيك أمور المسلمين، فأنت لم تحقق قول الرسول عليه الصلاة والسلام، في الحديث الصحيح: {مثل المسلمين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد} وقال: {كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً} فنحن لم نحقق هذه المفاهيم النبوية الصحيحة، إذا لم نهتم بهذه القضية.

والنظرة المعتدلة، هي أن ننظر إلى أصل القضية الأفغانية، على أنها قضية شعب مؤمن، يثور في وجه الشيوعية التي تسلطت عليه، وابتزت أرضه وماله ودينه وعرضه بالحديد والنار، وتسلطت على رقاب المسلمين وأموالهم، ومزقتهم شر ممزق، وكانت -بلا شك- تريد مسخ أفغانستان، وإخراجها من عالم الإسلام إلى غير رجعة، وجعلها جزءاً من الدول الشيوعية الكافرة، فقام الشعب الأفغاني في وجه هذه المؤامرة، الشيوعية الماركسية، وضحى وصمم وبذل، وتميز عن كثير من الشعوب الإسلامية، التي أسلمت قيادتها طواعية ومن غير مقاومة.

فإننا نجد كثيراً من بلاد الإسلام قد مسخت فعلاً، فلا تجد فيها من آثار الإسلام إلا رسوماً دارسة ضعيفة، ومسخ فيها الإسلام في الواقع -وقد رأينا هذا- مسخت حتى آثار الإسلام الظاهرة، ولم يبقَ إلا صوت الأذان وهو صوتٌ خافت، أو آثار تجدها هنا أو هناك، وهي آثار تظهر على استحياء في كثير من البلدان الإسلامية، ومع ذلك لم يظهر أهل تلك البلاد أي مقاومة لعدوهم، بل سلموا له واستسلموا، وخسروا الكثير دون أن يحتفظوا بكرامتهم، فقد سيموا بألوان الخف والهوان، ولم يحتفظوا حتى بكرامتهم وإنسانيتهم، فضلاً عن تدينهم وصلاحهم وثباتهم وشجاعتهم وإسلامهم.

كانت الشيوعية يوم هيمنت على أفغانستان، لا زالت تحتفظ بقوتها، فرفع المسلمون هناك راية الجهاد، وأحيوا هذه الشعيرة العظيمة، التي أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها: {لا تزال قائمة إلى قيام الساعة} وأن الراية لا تسقط أبداً، كما قال عليه الصلاة والسلام: {الخيل معقودُ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والمغنم} قال الإمام أحمد: فقه هذا الحديث: أن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة.

إذاً: الخيل المقصود به آلة الجهاد، فالجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: {الخيل معقودُ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والمغنم} وأحاديث أخرى كثيرة تثبت دوام الجهاد وبقاءه، منها الإشارة إلى الطائفة المنصورة، التي أخبر عليه الصلاة والسلام أنها لا تزال باقية إلى قيام الساعة، لا يضرها من خذلها ولا من خالفها، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس.

إن الغريب في الأمر -أيها الإخوة- أن كثيراً من الدول التي كانت تحت القبضة الشيوعية -القبضة الحديدية- انعتق كثيرٌ منها، وتحررت بثورات شعبية -كما هو معروف- إلا أفغانستان، فإنها لا تزال تئن تحت مطارق الشيوعيين، سواء كان الروس خرجوا من أفغانستان وبقي دعمهم المادي، أو كان الروس لم يخرجوا، ولكنهم استخفوا، وصاروا يديرون الأمور من وراء الكواليس، وهذا يؤكد قضية وهي: قضية التواطؤ العالمي ضد الإسلام، وهو تواطؤ يزداد يوماً بعد يوم، خاصة في ظل الظروف الحاضرة، التي أصبح الغرب والشرق يتخوفون فيها من بروز القوة الأصولية الإسلامية، كما سوف أشير إلى بعض التقارير المهمة في هذا بعد قليل.

إذاً: النقطة الأولى -أيها الأحبة- أنه يجب أن نحرص على أن نكون معتدلين في أحكامنا، لا يوجد داعي لأن نقول: إن القضية فرض عين، ويجب أن نصادر كل القضايا ونبقي هذه القضية الواحدة، ولا أن نقول: إنها لا شيء، وإن المسلمين يجب أن ينسوا هذه القضية ويسقطوها من حسابهم.

بل ينبغي أن توضع القضية في إطارها الصحيح، وتقدر بقدرها، وأن تذكر الإيجابيات الكبيرة التي من أهمها: إحياء شعائر الجهاد، وتحريض المسلمين على القوة، وإدراك أن المسلمين باستطاعتهم أن يتغلبوا على عدوهم، حتى ولو كان قوة عظمى من القوى الدولية كروسيا الشيوعية، التي كانت قوية في ذلك الوقت، وقبل أن يصيبها داء التفكك والانهيار، وفضلاً عن أن الله تعالى اتخذ من المؤمنين شهداء، وتربى المسلمون.

وتلقوا دروساً كبيرة في هذا المجال، والأمر -كما ذكرت قبل قليل- يحتاج إلى مؤتمرات ومجالس ودراسات، سواء كانت مكتوبة أم مقروءة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015