إنني لن أعالج هذا الموضوع في هذه الجلسة أبداً، ولكن الشيء الذي سأعالجه هو: طريقة تعاملنا نحن المسلمين، الذين نعتبر متعاطفين مع القضايا الإسلامية، نعتبر متعاطفين مع قضية أفغانستان، ومع قضية فلسطين، ومع قضية المسلمين في الفلبين، أو قضية المسلمين في أي بلدٍ إسلامي ترفع للإسلام فيه راية، ويقام للإسلام فيه دعوة، ويواجه المسلمون فيه عدواً، سواء كان يهودياً أو نصرانياً، أو شيوعياً، أو علمانياً، أو أي لونٍ كان.
طريقة معالجتنا نحن المتعاطفين مع قضايا المسلمين، تحتاج إلى معالجة إلى مراجعة، لدينا في الواقع خلل كبير، يتطلب النظر والمراجعة، كيف نستطيع خدمة قضايانا الإسلامية؟ أفغانستان وغير أفغانستان، كيف نستطيع أن نخدمها بالطريقة الصحيحة التي تجعلنا نكسب ثقة الناس الذين نتحدث معهم ونخاطبهم، وتجعلنا نستطيع أن نربط الناس بهذه القضايا الإسلامية ربطاً صحيحاً؟ ليس ربطاً مؤقتاً أو عارضاً أو عاطفياً سرعان ما ينفك وينتهي، من أدنى خبر يمكن أن ينتشر أو ينتقل أو يشاع، وإنما هو ربطٌ صحيح دقيق معتدل منصف، لا تؤثر فيه العوادي والمؤثرات القريبة والبعيدة، ولا يستطيع أحد أن يقسم عرى هذا الترابط.
ولا شك -أيها الأحبة- أنه من السهل على أي إنسان أن يتكلم عن قضية أفغانستان أو عن غير قضية أفغانستان، يتكلم -كما يقال- كثيرٌ من الناس عن قضية أفغانستان من خلال بروج عاجية، ومن وراء مكاتب فخمة -هكذا يحدث- يتكلمون تحت المكيفات، وفي الأجواء الآمنة، والأمر كما كان يقول المتنبي: وسير الروم خلف ظهرك رومٌ فانظر على أي جانبيك تميلُ ما الذي حوله تدار المنايا فالذي حوله تدار الشمولُ أمامك عدو وخلفك عدو، وعن يمينك عدو، وعن يسارك عدو، هذا وضع إخواننا المجاهدين، لا أقول في أفغانستان، بل في كل مكان، وسواء كان جهادهم بالسيف والسنان، أو كان جهادهم بالقلم والبيان، أو كان جهادهم بأي وسيلة من وسائل الجهاد، وليس الذي يواجه العدو ويكون في نحره وفي مواجهته في الميدان، كالذي ينام ملء جفنيه، ويكبر الوسادة، ويبدأ ينتقد ويقول: وهذا صواب وهذا خطأ.
وإنني لأعلم ناساً من الناس، وأرجو الله تعالى أن لا نكون منهم، هم على الآرائك متكئون، وللشاي والقهوة يشربون، ولأخطاء إخوانهم المسلمين يتسقطون، وعن زلاتهم يبحثون، ولعيوبهم يتصيدون، فإذا وقعوا عليها فإنهم يسرون بها ويفرحون، ويغدون بها ويروحون، ويشيرون بها ويلوحون، وكأنما عثروا على كنزٍ ثمين، أو على نصرٍ مبين!! فهذه مصيبة كبرى، أن ينفصل المسلم القاعد عن المسلم المجاهد، ولكن هذا لا يمنعني أبداً -أيها الإخوة- أن أؤكد على قضية مقابل هذا، وهي أن الإنسان البعيد، متى ما كان معك بعواطفه وقبله وعقله وإخلاصه وصدقه، فهو -في كثير من الأحيان- قد يكون أقدر ممن يواجه المشكلة على النظر الصحيح، والتفكير المعتدل المتزن البعيد عن العواطف، فإن زمام العواطف إذا انفلت -أحياناً- عطل العقل وأبطل مفعوله، فأصبح الإنسان يتحرك بعاطفة وانفعال وجو مشحون متوتر لا يمكنه من التفكير الهادئ، لأنه يخضع لردود فعل وأوضاع وأحوال ومشكلات، ومصائب يواجهها أولاً بأول، لكن الإنسان البعيد الذي لا يوجد هذا التأثر في نفسه، يستطيع أن يستخدم عقله -في كثير من الأحيان- بصورة أصح وأجدر وأجدى.
ولذلك أقول: لا مانع أبداً أن يكون من المسلمين من يقاتل، ومنهم من يفكر لهؤلاء المقاتلين، ولا أقول: يفكر بالنيابة عنهم! لا، ولكنهم يفكرون معاً، بمعنى: أنه إذا لم تستطع أن تكون مقاتلاً بسيفك، أو بقلمك، أو بلسانك، أو بمالك، فلا أقل من أن تكون مقاتلاً بعقلك وفكرك، فترسم الطريق للناس، وتبين الوجهة السليمة، وتبين الصواب، وتحاول أن تصحح، تحاول أن توجه، تبذل ما تستطيع ولو بمشاركتك الذهنية والفكرية، وهذه القضية ليست سهلة، فأعتقد أن الذي يستطيع أن يخطط للمسلمين، لا يقل أهمية عمن يستطيع أن ينفذ، بل إن الذين يستطيعون أن ينفذوا كثيرون جداً، ولكن الذين يستطيعون أن يرسموا الطريق ويرسموا الخطة، هم أقل من القليل.