المنعمون في الدنيا إذا كانوا من أهل النار ماذا ينفعهم نعيمهم؟! ماذا تنفعهم لذة ساعة؟! ما تنفعهم القصور إذا صاروا إلى القبور؟! ماذا تنفعهم الأرصدة إذا ذهبوا إلى الدار الآخرة بلا رصيد؟! وماذا تنفعهم الأموال والأولاد والكراسي والمناصب؟! وماذا ينفعهم الجاه العريض في الدنيا إذا كانوا قد خرجوا من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة، ولم يكونوا قدَّموا من الخير عملاً صالحاً؟! ولهذا قال الله عز وجل: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران:196-197] .
متاع قليل! أين فرعون؟! أين هامان؟! أين قارون؟! أين النمرود؟! أين كسرى؟! أين قيصر؟! ذهبوا ولم يبق منهم إلا أسماؤهم وأعمالهم وآثارهم يذمون بها ويشتمون ويلعنون بها إلى يوم يبعثون.
بل حتى ملوك المسلمين وخلفاؤهم الذين توسعوا في ملاذ الدنيا، وبنوا القصور وعمروها وشيدوها، وجمعوا الأموال، وحشدوا الجنود، وفعلوا ما فعلوا أين هم؟! أين قصر الحمراء، ومن بناه؟! أين قصر بني أمية في دمشق؟! كلهم ذهبوا، ولم تبق إلا آثار درست، تقول للعقلاء: اعتبروا واتعظوا! بالله! سل خلف بحر الصين عن عربٍ بالأمس كانوا هنا واليوم قد تاهوا وإن تراءت لك الحمراء عن كثبٍ فسائل الصرح: أين العز والجاه؟! وانزل دمشق وسائل صخر مسجدها عَمَّنْ بناه لعل الصرح ينعاهُ هذي معالمُ خرسٌ كل واحدة منهن قامت خطيباً فاغراً فاه إني لأشعر إذ أغشى معالمهم كأنني راهب يغشى مصلاه الله يعلم ما قلبتُ سيرتهم يوماً وأخطأ دمع العين مجراه أين الرشيد وقد طاف الغمام به فحين جاوز بغداد تحدَّاهُ ماضٍ تعيش على أنقاضه أمم وتستمد القوى من وحي ذكراهُ ذهبت الآثار، ذهبت الأسماء، والقصور، ذهبت الأموال والجيوش والجنود، لم يكن هؤلاء الجنود يستطيعون أن يسعفوا حاكماً أو ملكا أو جباراً، ولا أن يحولوا بينه وبين قدر الله النافذ لا محالة! فالحساب ليس حساباً دنيوياً بحتاً.
ومن كان في الآخرة من الضالين الكافرين الفاسقين، فلا ينفعه أن يكون في هذه الدنيا من المنعمين، وفي صحيح مسلم يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: {يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في العذاب صبغةً، ثم يقال له: يا ابن آدم! هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما رأيت خيراً قط! ولا مر بي نعيم قط!} لحظة واحدة من عذاب الجبار جل وعلا تنسي الإنسان كل ما كان في هذه الدنيا قد أكل، وكل ما قد شرب، وكل ما ركب، وتنعم، وكل ألوان اللذائذ التي يتسابق فيها المتسابقون ويتنافس فيها المتنافسون، فهل يعي هذا الدرس من رمضان أقوامٌ قد رتعوا في النعيم إلى أذقانهم، وتخوضوا في مال الله تعالى بغير حق، وتسلطوا على عباد الله فاستضعفوهم واستغلوهم، وتجبروا وتكبروا وظلموا، ونسوا الواحد الأحد الذي يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين؟!