ولعلي أيضاً لا أنسى أن أشكر أولئك الذين ينالون من الآخرين حسداً من عند أنفسهم، أو بغضاً للحق وأهله، وقد قال الشاعر: عداتي لهم فضل عليّ ومنة فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا ولا ينتظر هؤلاء ولا أولئك الدخول معهم في معارك هوائية، فهم في واد ونحن في واد، كما لا ينتظرون أن يتوقف الدعاة عن دعوتهم، رعاية لخواطرهم أو حرصاً على قلوبهم، فقد وطن الدعاة أنفسهم على ما هو أعظم من ذلك وأهول، كيف وهم يسمعون قول الله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران:186] وكيف وهم يسمعون قول الحق تبارك وتعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214] وكيف وهم يسمعون قوله جل وعلا: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:3] ولقد آمن الدعاة إلى الله عز وجل في كل زمان ومكان، بأن الإبتلاء سنة إلاهية لا حيلة في دفعها، وقد واجهها النبيون والصديقون والصالحون فصبروا عليها، كما آمن الدعاة بأن الخصومة بين الحق والباطل باقية ما بقي الليل والنهار، باقية ما بقي في الأرض مسلم واحد ينطق بكلمة لا إله إلا الله! وآمنوا أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] كما آمنوا بأن العاقبة للتقوى، وأنه لا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
أيها الأحبة: لقد رأينا وسمعنا وقرأنا مصداق ما أخبر الله تبارك وتعالى به مما يقوله أهل الكتاب والذين أشركوا من الأذى الكثير، رأينا وسمعنا وقرأنا ذلك، مما سود الغربيون صفحات مجلاتهم وصحفهم بالحديث عن الصحوة ورجالها في هذا البلد، ولا ننتظر منهم إلا أن يقولوا ما قالوا، ونحن نعتبر ما قالوه عن الصحوة ورجالها ودعاتها تزكية لهذه الصحوة ولرجالها ولدعاتها، وآية على صدق أتباعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل لنبية عليه الصلاة والسلام: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} [فصلت:43] , وإنني إذ أعتبر نفسي -أيها الأحبة- متطفلاً علىموائد الدعاة إلى الله تعالى لصيقاً فيهم، وأشهد أني لست منهم على الحقيقة، إنني أجد الشجاعة أن أقول بالنيابة عنهم شهادة صدق، أعلمها من كل من عاشرته منهم، إن أحد هؤلاء الدعاة يفرط في دنياه من أجل غيره، ويكره أن يتولى أمر اثنين فصاعداً، ومع ذلك فهم أشد الناس عزوفاً عن المجد والشهرة والرياسة والمنصب، على أنهم أسرع الناس إلى البذل والفداء , وأكثر الناس تضحية بنفوسهم، وأموالهم إذا دعا داعي الجهاد، فمن الذي رويت ربوع أفغانستان بدمائهم؟ ومن الذين ضمخوا تراب الجزائر؟ من الذين ضحوا على ثرى فلسطين؟ إنهم الدعاة إلى الله عز وجل، الذين يسرع الواحد منهم إلى حتفه، وهو لا ينتظر أن يذكر في جريدة ولا مجلة، ولا أن يقام له احتفال وإنما همه أن يكون احتفاله عرساً: {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55] همهم أن ينالوا شرف الشهادة في سبيل الله تعالى، وهم مع هذا وذاك صبر على الأذى، كرام النفوس، لا يجزون السئية بمثلها، بل يعفون ويصفحون ويقولون إذا ضاق الرحب الفسيح: (حسبنا الله ونعم الوكيل) .