ومع ذلك فإنني أرى من واجبي بهذه المناسبة، أن أضع بعض المفاهيم الضرورية بين أيديكم أولها: لم تكن هذه الأيام بل الشهور التي مضت لتضيع سدى، على قوم عرفوا معنى الحياة، ونافسوا في استدراك لحظاتها العابرة والتهابها قبل فواتها، فأما أنتم فلكم بحمد الله تعالى من حضور مجالس العلماء العامرة، وحلقات الوعظ ومتابعة ما يَجِدُّ من الأشرطة والكتب، ما يحفظ عليكم أوقاتكم، ولم يكن من الحزم بحال من الأحوال، أن يضيع لفرد واحد منكم فصاعداً ولا دقيقة واحدة من وقته في انتظار الإفراج، عن درس أو محاضرة، فالوقت كما قال شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي: [سريع التقضي، أبي التأتي، بطيء الرجوع]] والله تعالى لم يجعل الاستمساك بالدين، ولا البحث عن العلم مربوطاً بوجود شخص بعينه مهما كان قدره، حتى ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم فضلاً عن الصعاليك المفلسين من أمثالنا، وفي الأمة بحمد الله تعالى من الرجال المخلصين، والدعاة الصادقين، والعلماء العاملين، ما تقوم بهم الحجة في كل وقت وحين، فالحمد لله رب العالمين.
إنه ليسوؤني أن يكون عشرة فقط من أفاضل الطلاب، توقف تحصيلهم العلمي لتوقف الدروس، فإن معنى ذلك في لغة الحساب ضياع ثماني سنوات من عمر فرد واحد، وهي فترة يستطيع الفرد المخلص الجاد أن ينجز فيها الكثير الطيب المفيد، أما بالنسبة لي فقد تسنى لي في هذه الفترة، فترة التوقف التي دامت ثمانية أشهر إنجاز ما يزيد على ثلاثمائة صفحة من دروس بلوغ المرام، أرجو أن تكون محققة محررة وما يسرني أن لي بها حمر النعم، فضلاً عن إعداد مجموعة من الكتب والمؤلفات والمقالات التي أسأل الله تعالى أن يرزقني فيها الإخلاص والصواب، وأن يجعلها خالصة لوجهه نافعة لعباده، إنه على كل شيء قدير.