أمر آخر: لقد علمنا الله تبارك وتعالى أن نتواضع في تقديرنا للأمور، فقال سبحانه: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] وقال: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216] فالإنسان قد يدرك شيئاً من الحاضر، لكن كثيراً ما يغيب عنه المستقبل، وعلى سبيل المثال: يقدر الناس في هذا الوقت قيمة الدرس المسجل في شريط، فيقولون: الشريط يسمعه الجميع، ويوزع منه عشرات وربما مئات أو ألوف أو عشرات الألوف وهذا لا شك صحيح، ولعلي ممن قال مثل هذا الكلام في مناسبتةٍ، ولكن الناس أيضاً قد يقللون من قيمة الكتاب مثلاً؛ لأنه يخاطب فئة معينة في المجتمع، مع أننا نقرأ في الإحصائيات، أن بعض الكتب قد يوزع منها في بلد واحد، وربما في غضون شهر واحد أو شهور ما يزيد على مليون نسخة، خاصة لدى الأمم المحبة للقراءة والاطلاع، وقد ينسى الكثيرون أن الكتاب أطول عمراً من الشريط، وقد تنتفع به أجيال وأجيال وأجيال، ولا يزال العلماء الذين دونوا علمهم في الصحائف أحياء بيننا بعلمهم وتراثهم، ومن ذا يجهل أثر الإمام ابن تيمية أو تلميذه الإمام ابن القيم على تفكير المسلمين في كل مكان، مع أنك لو ذهبت إلى أماكن التسجيلات، لم تظفر ولو بشريط واحد لهذا ولا لذاك، إنني لا أقلل من قيمة الشريط، ولكني أقول: ربما أدى استغراق بعضهم في إعداد المادة العلمية المسجلة التي يحتاجها جمهورهم المباشر، ربما أدى ذلك إلى غفلتهم أحياناً عن المادة المكتوبة التي تحتاجها الأمة في كل مكان، وقد تحتاجها أجيال الأمة في حاضرها ومستقبلها، وعلى كل حال فالخير لنا جميعاً فيما يختاره الله -تعالى- لنا، واختيار الله لنا أعظم وأفضل من اختيارنا لأنفسنا قال الشاعر: لا تُدبِّر لك أمرا فأولو التدبير هلكى سلم الأمر تجدنا نحن أولى بك منكا