إن مجالات خدمة الدين -أيها الأحبة- واسعة سعة الهمة والإرادة التي يتحلى بها المسلم، وكم من باب يعرض عنه الإنسان زهداً فيه فيسوقه الله تعالى إليه برغمه وربما بكيد خصمه، وأضرب أمثلة سريعة لبعض المشاركات الإيجابية المتواضعة التي عرفها المسلمون في أزمنة شتى.
قال الذهبي رحمه الله في ترجمة الإمام أحمد من كتابه تاريخ الإسلام، عن صالح بن أحمد عن أبيه أنه قال: [[لما صرنا إلى الرحبة، جاء رجل فقال: أيكم أحمد بن حنبل؟ فقيل له هذا أحمد بن حنبل، فقال الرجل للجمال الذي يحمل الإمام أحمد على رسلك أرفق! فتوقف الجمال، فقال الرجل يا هذا؟ -يخاطب الإمام أحمد الرجل المجاهد في سبيل الله الذي كان يرفع راية أهل السنة في وقته، وكان رمزاً ونموذجا للصبر عليها، فهذا الرجل يرى أن له مشاركة ومساهمة في هذا الباب، إن لم يقف ذاك الموقف لم يعجز أن يقف أمام الإمام أحمد - ويقول له: يا هذا! ما عليك أن تقتل ها هنا وتدخل الجنة، ثم قال أستودعك الله ومضى]] فتعجب الإمام أحمد من هذا الموقف، وسأل عن الرجل فقيل له: هذا رجل من ربيعة من البادية يعمل الشعر في الصحراء، في رواية أخرى أن الإمام أحمد كان يقول: [[ما سمعت كلمة منذ وقعت في هذا الأمر، أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في الرحبة، قال يا أحمد: إن يقتلك الحق تمت شهيداً، وإن تعش تعش حميداً، قال: فقوى قلبي بذلك]] .
وفي بعض الروايات أن لصاً كان في السجن قال للإمام أحمد: [[والله يا إمام إنا لنجلد في متاع سرقناه لا يساوي درهمين، مثل ما تجلد أنت على قضية دينية، فاصبر واحتسب، قال: فقوي الإمام أحمد بذلك]] ونموذج آخر من المشاركة والمساهمة، خطب السلطان نور الدين خطبة حث الناس فيها على الجهاد، وألهب حماسهم في مقاومة أعداء الإسلام، فسمعته امرأة من المؤمنات فتلفتت فلم تجد لها شيئاً تستطيع أن تجاهد به، تقول الرواية التاريخية: فنظرت المرأة وأحست أنها هي المخاطبة دون غيرها، فما كان منها إلا أن قطعت ضفيرتها وبعثت بها إلى السلطان نور الدين، وقالت ليكن هذا لفرسك، وقل للرجال: إن كنتم عجزتم عن القتال فهلموا واقعدوا في بيوتنا ودعونا نقاتل.
ولا أريد أن نناقش هذه الرواية من الناحية الفقهية، أكانت هذه المرأة مصيبة حين قطعت شعرها أم لا؟ أكانت هذه المرأة تصلح أن تخرج للجهاد أم لا؟ فليس المقصود أن نقتدي بهذه المرأة في تفصيل ما عملت، لكن المقصود أن ندرك أن كل واحد منا يجب أن يشعر أنه هو المخاطب قبل غيره، بوجوب أن يبذل ما يستطيع لهذا الدين.