أيها الإخوة: إن هذه المجالس التي نجلسها والدروس التي نتحدث فيها ونعقدها، هي أثر نبوي وهدي محمدي، نقتفي فيه أثر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يوم كان يجمع أصحابه إليه ليصل الأرض بوحي السماء، ثم كان أصحابه من بعده على إثره، فكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يجلس بأهل الكوفة كل خميس، ومثله كان أبو هريرة رضي الله عنه في المدينة وابن عباس في مكة، ومعاذ في الشام وهكذا، ثم ورث هذه المهمة الجليلة النبيلة علماء الإسلام، جيل بعد جيل، ورعيل بعد رعيل، وأمة إثر أمة، يأخذ الآخِر عن الأول.
أيها الأحبة: إن كل بضاعتنا، آية محكمة أو سنة ماضية، أو علم ينتفع به، وما كانت مجالس العلم في المساجد يوماً من الأيام، مجالس لهو ولعب، ولا مجالس عبث ومتعة، ولا مجالس سفه ولذة، وإنما يقفو فيها الدعاة أثر أنبياء الله ورسله، ينادي كل منهم: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:59] أما غير هذا فليس من بضاعتنا، وقد رضي الدعاة كلهم.
من عاجل الدنيا بهذا الفرح الغامر المتصل الذي يعمر قلوبهم، فيحسون به في كل بسمة صدق، وفي كل رعشة طرف، وفي كل تحية، وكل كلمة، وكل خطوة، بل وفي كل غمضة عين، فإذا رأوا أرباب الدنيا، وما هم فيه من الكد والنكد والهم المقعد المقيم، انطلقت ألسنتهم بعفوية تامة، وأيديهم مرفوعة إلى السماء تقول: الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم به، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا.