التوبة

الْمَعْلَمْ الثامن: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] فالتوبة واجبة من جميع الذنوب والمعاصي، ومستحبة من فعل المكروه، وترك المستحب، والله تعالى أمر بها، فهي واجبة على الفور، حتى {أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستغفر الله ويتوب إليه في المجلس الواحد أكثر من مائة مرة} يحسب له سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي، وكان يكثر عليه الصلاة والسلام أن يقول في ركوعه وسجوده: {سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي} يتأول القرآن، ولذلك جاء في صحيح مسلم {أن رجلاً من بنى إسرائيل عصى، فقال: اللهم إني أذنبت فاغفر لي فغفر الله له، فوقع في المعصية مرة أخرى، فقال ربي إني أذنبت فاغفر لي، فغفر الله له، فوقع في المعصية الثالثة، قال ربي إني أذنبت فاغفر لي، فقال الله: عبدي علم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، افعل ما شئت فقد غفرت لك} إذاً أيها العاصي، لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله تعالى، واستغفاره، لكن إذا قلت: استغفر الله، فاستغفر الله من قلب محروق بألم المعصية، استغفر الله بقلب يأكله الندم أكلاً، أما أن تقول: استغفر الله، وأنت منهمك في معصيتك، فهذا الاستغفار كما قال بعضهم -يحتاج إلى استغفار- كما قال الشاعر: أستغفر الله مِنْ أستغفر الله من كلمةٍ قلتها لم أدرِ معناها وذلك لأن الإنسان لا ينبغي أن يعتمد فقط على أن الله تعالى غفور رحيم، أو على مثل هذه القصة التي سقتها، فينهمك في المعاصي، ويقول: يغفر الله لي، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} [الأعراف:169] فهذا لا يجوز، هذا ليس منهج الخائف من الله، فالمؤمن في قلبه توبيخ، وفي قلبه حرارة، وفي قلبه إيمان، يقول له: لا.

إذا هم بالمعصية، أما إذا رأيت الإنسان كلما بان له طمع، أو تيسرت له معصية تقحّم عليها، فاعلم أن هذا الإنسان قلبه شديد المرض، ويوشك أن يموت، ولذلك نقول: حين تتوب، أو تستغفر، أو تعمل الأعمال الصالحة، لا يمكن أن تجزم جزماً قاطعاً بأن هذا الوعد النبوي، أو الإلهي تحقق لك، من يدريك أن الله قبل منك عملك؟! يقول بعضهم: والله لو أعلم أن الله قبل مني تسبيحة واحدة لتمنيت أن أموت الآن؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] لكن ما يدريك؟! يمكن عملك يُلَفُّ كما يُلَفُّ الثوب ثم يضرب به وجهك، لأنه لم يتحقق فيه الإخلاص، ولم تتحقق فيه النية الصادقة، ولم يكن فيه متابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد تستغفر ولا يغفر لك، وقد يعرض عنك الله تعالى بوجهه بسبب لا تعلمه، أو تعلمه أنت في نفسك، فالعبد يكون بين الخوف والرجاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015