الْمَعْلَمْ السادس: الذي يميز العاصي الذي على شفا هلكة، من العاصي الذي هو قريب النجاة والانفكاك من معصيته، هو: الإكثار من الحسنات، قال الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] ما سبب نزول هذه الآية؟ سببها عجيب! ففي الصحيح {أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه في نفر من أصحابه، فقال: يا رسول الله إني رأيت امرأة في أقصى المدينة فعالجت منها، وأتيت منها ما يأتي الرجل من امرأته إلا أنني لم أقع فيها -أي: كلمها وقبلها وضمها، لكنه لم يزنِ بها، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم نادماً تائباً، وجلس في مجلسه حزيناً أسيفاً كسيفاً، وقال: يا رسول الله الأمر كذا، وكذا، وكذا، وهو يريد من الرسول عليه السلام أن يقيم عليه كتاب الله إذا كان عليه حد أو عقوبة، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم وأقيمت الصلاة، فقام الناس وصلوا، وبعد الصلاة رجع الرسول عليه السلام إلى مجلسه ورجع الرجل، فقال: يا رسول الله الأمر كذا، وكذا، وكذا، وأعاد عليه السؤال! فقال: صليت معنا الآن؟ قال: نعم، قال: اذهب فقد غفر لك.
وأنزل الله تعالى قوله: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) قال: يا رسول الله ألي خاصة؟! انظر: إنه عاص ومع ذلك يسأل إن كان الأمر له وحده؟! قال النبي عليه السلام: لا بل لأمتي كلها عامة} وذلك أن الحسنات توضع في الميزان يوم القيامة، والسيئات توضع في الميزان الآخر، فمن رجحت حسناته فهو من أهل الجنة.
فسابقٌ، راجحٌ ميزان طاعته، ومجرمٌ كثرت آثامه، فالناس أصناف منهم السابق الذي رجحت حسناته على سيئاته، فإن أكثر الإنسان من الأعمال الصالحة حتى لو فرض أن معاصيه لم تغفر ولم تكفّر، فإن هذه الأعمال الصالحة ترجح المعاصي يوم القيامة، هذا وجه.
والوجه الثاني: أن الأعمال الصالحة تكون سبباً في تكفير ذنوبه، وغفرانها، وستر عيوبه، ولذلك فإننا نجد أن الرسول عليه السلام ذكر كثيراً من الأعمال التي هي كفارات.
في الواقع أن الإنسان إذا قرأ الأحاديث الواردة في الكفارات يتعجب! ويقول الإنسان الذي يريد النجاة: والله ما له عذر أبداً كل شيء له كفارة، خذ على سبيل المثال ولا الحصر في ذلك، كتب صنفت في ذلك أذكر منها على سبيل المثال كتاب ابن حجر الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة خذ على سبيل المثال الوضوء، ثبت في الصحيحين {أن العبد إذا توضأ الوضوء الشرعي خرجت خطاياه مع آخر قطرة من الماء، وإذا توضأ، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله 00000ثم صلى ركعتين غفر له ما تقدم من ذنبه} هذا الوضوء مثلاً مكفر للذنوب.
خذ مثلاً آخر: الصلاة، يقول النبي عليه الصلاة والسلام {الصلوات الخمس مكفرات لما بينها إذا اجتنبت الكبائر} .
انتقل مثلاً إلى الصيام، ذكر النبي عليه الصلاة والسلام {أن رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما} .
العمرة: ذكر النبي عليه الصلاة والسلام {أن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما} .
{الحج: كفارة يهدم ما كان قبله} كما في صحيح مسلم، ويكفر الذنوب، {ومن حج حجاً مبروراً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه} كما في الصحيحين.
خذ مثلاً: متابعة المؤذن وأقرب عمل متابعة المؤذن ورد: {أن الإنسان إذا قال مثل ما يقول المؤذن، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم سأل الله الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم، غفرت ذنوبه} .
والمصافحة: عمل يسير، تلقى أخاك المسلم فتتبسم في وجهه وتصافحه، جاء في حديث عن أبي يعلى وصححه ابن حبان {أن المسلم إذا لقي أخاه فصافحه تحاتت ذنوبهما، ولم يتفرقا حتى يغفر الله تبارك وتعالى لهما} أعمال كثيرة وكثيرة لا يحصيها العد، كلها كفارات للذنوب، ولكن هذه الكفارات كلها مقيدة بشرط وهو إذا اجتنبت الكبائر، ولذلك قال في صحيح مسلم: {ما لم تؤت كبيرة} وفي لفظ: {إذا اجتنبت الكبائر} ولذلك يقول الإمام ابن عبد البر: إن جمهور أهل السنة والجماعة على أن هذه الأعمال المذكورة إنما تكفر الصغائر، أما الكبائر فإنه لا يكفرها إلا التوبة النصوح إلى الله جل وعلا.
المهم ألا يجلس الإنسان أسير الخطايا، ضعيف الهمة، واهن العزم، لا يعمل الطاعات، يقول أنا إنسان ما أصلح لشيء، وبعض الناس يقول: أنا لا أصلح لشيء، أنا عاص، أنا مسرف، ولو تعرفون ما عندي، لو، لو، لو، يا أخي! احمد الله تعالى أن الله سترك: يقول الشاعر: أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوح فإذا المستور منا بين ثوبيه فضوح ويقول الآخر: والله لو علموا قبيح سريرتي لأبى السلام عليّ من يلقاني كلنا ذلك المذنب، وكلنا ذلك الخطأ، كما في الحديث الصحيح أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {كل بني آدم خطَّاء وخير الخطَّائين التوابون} قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
فكلنا خَطَّاء، لكن لا ينبغي للخطايا أن تقعد بنا عن أن نكفر بالأعمال الصالحة، بل زاحم المعصية بالطاعة عندك، وإذا كنت في معصية لا تقل: أنا مبتلى بها وعجزت أن أقلع منها، عندك طاعات كثيرة، تستطيع أن تشغل نفسك بها، أحسن إلى الناس، وجاهد في سبيل الله، ومر بالمعروف، وانه عن المنكر، ساعد في أعمال البر، وكما قال الرسول عليه السلام فيما معنى الحديث: {أبواب الخير كثيرة} مر بالمعروف، وانه عن المنكر، وامش إلى الصلاة، وقل كلمة طيبة، إلى آخره.