تحقيق معاني أسماء الله وصفاته

ومن حِكم وجود المعصية: تحقيق معاني أسماء الله تعالى وصفاته، فإن الله تعالى من أسمائه الخالق، وهذا الاسم يتجلى في خلق السماوات والأرض، والأملاك، والأفلاك، والبشر، والبهائم، والدواب، والملائكة، وغيرها.

ومن أسمائه الرزَّاق، ومن مظهر وأثر هذا الاسم أن الله تعالى يرزق الطير في ثكناتها، ويرزق السباع، ويرزق الحيات في جحورها، ويرزق الإنسان، ولو كُتِبَ للعبد رزق في أعماق أعماق البحار لقيضه الله تعالى له فيصل إليه.

ومن أسمائه تعالى أنه المحيي المميت، فهو من شأنه أن يحيي ويميت، وفي كل لحظة في الدنيا يحيي الله تعالى آلاف الأحياء، ويميت آلافاً أخرى، فلا تزال الدنيا كلها في حركة متجددة من الحياة والموت بإذن الواحد القهار جل وعلا!.

وكذلك من أسمائه جل وعلا أنه الرحمن الرحيم، وهذه الرحمة تتجلى في صور شتى منها رحمته تعالى بالعصاة، ومن أسمائه الغفور ولو لم يكن هناك أناس يخطئون فيستغفرون فيغفر لهم، لما ظهر أثر هذا الاسم الجليل العظيم "الغفور"!.

ومن أسمائه "الحليم" فلولا أن هناك من يخطئ في جنب الله تعالى، ويظلم نفسه، ويعصي ويبارز الله تعالى فيحلم الله تبارك وتعالى عليه، ويعفو عنه، ولا يعاجله بالعقوبة، لما ظهر للناس شرف هذا الاسم وعظمته وقدره.

وهكذا كان من حكم وجود المعصية ظهور آثار أسماء الله تعالى الحسنى، مثل الرحمن والرحيم والغفور والحليم، ولذلك قال عيسى عليه الصلاة والسلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118] وورد في السنن عن أبي ذر {أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلة كاملة حتى أصبح يقرأ هذه الآية ويبكي {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118] } ولاحظ كيف ختم الآية بقوله: {أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118] ولم يقل أنت الغفور الرحيم؛ ليشعر بأن مغفرته جل وعلا للعصاة من عباده، ليست عن عجز عن المعاقبة، كلا! وليست عن عدم معرفة بالحق، كلا! وإنما يغفر لهم مع أنه العزيز الذي قهر وغلب وقَدِرَ جل وعلا، ومع أنه الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها، ومع ذلك كله فإنه يغفر لعباده ولا يعاجلهم بالعقوبة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015