تحقيق الوحدانية لله عزوجل

ومن أعظم حكم وجود المعصية وخلقها، تحقيق الوحدانية لله عز وجل في ربوبيته وألوهيته، وأنه بيده القضاء والقدر، فما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ لم يكن، فإن العبد حينئذ يحصل له من التسليم والانقياد لله عز وجل وإدراكه للعجز التام المطلق عن الحول والطول والقوة إلا بالله تعالى، فيفزع من الله تبارك وتعالى إليه، ولذلك يقول العبد: {يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك} لأنه يدرك بوجود المعصية أن الله تعالى هو الذي خلق المعصية، وهو مصرف العباد، ومقلب قلوبهم وموجهها على حسب ما تقتضيه حكمته جلَّ وعلا وعدله، وحينئذ يدرك العبد أن الألوهية الحقة هي لله، وأن الربوبية والملك والتدبير هي لله جلَّ وعلا، فيفزع من الله تبارك وتعالى­ إليه، لهذا يقول الله عز وجل في آخر سورة التوبة: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة:117] إلى أن قال: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} [التوبة:118] لاحظ، ظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، فإن العبد إذا رأى المعصية سواء في نفسه أم في غيره، أدرك أن مقامه مقام العبودية، والعجز، والتسليم، والانقياد، وأنه لا حول له ولا قوة إلا بالله جلَّ وعلا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015