ولذلك فإن أعظم حكمة في خلق المعصية هي الابتلاء والاختبار، بحيث أإن الإنسان ليس مكرهاً على الطاعة مجبولاً عليها بفطرته، كلا؛ بل هو بفطرته قابل للهدى والضلال، ولو شاء الله عز وجل لجعل الخلق كلهم أمة واحدة كما قال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [هود:118] يعني: على الهدى، ثم قال: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:119] يعني: للابتلاء الذي يترتب عليه اختلافهم وانقسامهم، ثم قال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} [النمل:45] .
إذاً لا حيلة، فكما أن هناك جنة فهناك نار، وكما أن هناك طاعة فهناك معصية، وكما أن هناك ملائكة فهناك شياطين، وكما أن هناك أبرار فهناك فجار، ولا بد من هذا، وهذه حكمة الله عز وجل وهذا هو الذي يتحقق به الابتلاء والاختبار والتمييز، وإلا فلو كان الناس كلهم مجبولين على الطاعة لما تميز أحد عن أحد، ولا مدح طائع، ولا ذم عاص؛ لأن الخلق كلهم صاروا على قلب رجل واحد.