الحِكَم من خلق المعصية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71] .

الحمد لله رب العالمين، فلقد بدأ المسجد والحلقة والمحاضرة والمركز والمجلس العلمي، يختطف جمهور الكرة والأغنية والشاشة وغيرها، وأصبحنا نشهد انتصار الإسلام صباح مساء من خلال هذه الجموع التي تحرص على استماع الكلمة الطيبة، وتحرص على حضور المحاضرة والدرس والموعظة، في حين أصبحت المجالات الأخرى تفقد جمهورها شيئاً فشيئا، وهذه خطوات محمودة في طريق انتصار الإسلام في هذه البلاد وفي كل البلاد بإذن الله تعالى، قال تعالى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص:88] .

عنوان هذه المحاضرة التي تلقى في هذه الليلة، ليلة الخميس 27 من شهر ذي القعدة لعام 1410هجرية في هذا المسجد وهو جامع الخليل بالدمام، "المعالم المنجية من شؤم المعصية" وأستسمحكم عذراً إذ أقول: إننا حين نتكلم عن المعصية، فكأننا حذاقها وفلاسفتها والخبراء فيها، فهي أرض قد ترددنا فيها وبلاد قد عرفناها، ويا ليتنا إذ نتكلم عن الطاعة ووسائلها وأسبابها ومعالمها، نعلم من ذلك ما نعلمه من شأن المعاصي.

لقد خلق الله عز وجل المعصية في هذه الدنيا بحكمته، فالله تعالى قادر على أن يجعل الخلق كلهم على قلب رجل واحد، وقد فعل سبحانه وتعالى ذلك فيما يتعلق بالملائكة، فقد خلق خلقاً عنده شأنهم كما ذكر في كتابه: {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء:26-27] وقال الله عز وجل: {مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] ولكنه تعالى خلق الخلق وقدر أن يكون الإنسان قابل للهدى والضلال، والخير والشر: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:3] وقال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10] وقال تعالى أيضاً: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015