Q عن حكم تغطية المرأة لوجهها، والسؤال عما تقع فيه بعض النساء من إظهار شيء من شعرها، أو نحرها أو رقبتها؟
صلى الله عليه وسلم الصحيح -أيضاً- أن تغطية المرأة لوجهها واجب، ولا يجوز لها إبداؤه.
أما في موضوع الشعر فهو إجماع من أهل العلم، أنه لا يجوز للمرأة أن تبدي شيئاً من شعرها للأجانب.
أما الوجه فالصحيح -أيضاً- أنه لا يجوز، والأدلة على ذلك كثيرة من القرآن والسنة، فمن الأدلة: قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] والخمار هو ما تضعه المرأة على رأسها، فقد أرشد الله عز وجل المرأة المؤمنة حينئذٍ في هذه الآية إلى أن تسدل هذا الخمار من رأسها على وجهها حتى يضرب على جيبها، والجيب هو فتحة الثوب من الأمام، فبناءً على ذلك هذه الآية أمر بتغطية الرأس والوجه والنحر والرقبة، حتى يكون الخمار منسدلاً يضرب على الجيب، وهذا ظاهر في الوجوب.
ومنها قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] إلى آخر الآية، فقوله: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) يشمل أنواع الزينة، ومن أعظم أنواع الزينة: الوجه، وكل إنسان لو سألته عن موضع النظر والإعجاب والجمال من المرأة، لقال لك: إنه الوجه، فالوجه هو مجتمع الزينة، وهذه ضرورة يجدها كل إنسان في نفسه، أول ما ينظر الإنسان إلى المرأة -والمسلم لا ينظر إلا لمن تحل له- فإنه ينظر إلى وجهها، فالوجه هو مجتمع الزينة والجمال، وأكثر ما توصف المرأة بالجمال لجمال وجهها، فتغطية الوجه أولى من تغطية غيره، كتغطية القدمين -مثلاً- أو تغطية الكفين، أو تغطية الذراعين.
أقول: إنه أولى بالوجوب، فالفتنة فيه أعظم من الفتنة بها، ومن الأدلة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59] فهو إشارة إلى أن المرأة الحرة المسلمة، يجب عليها أن تتستر تستراً كاملاً، وتغطي جميع بدنها وتلبس الجلباب أو الملاءة أو العباءة التي تستر جميع جسمها، حتى تتميز بذلك فلا تؤذى، ومن حكمة الله عز وجل أن المرأة إذا تسترت هذا التستر المشروع، فإنها لو مرت بفساق لم يلتفتوا إليها؛ لأنهم يشعرون حينئذٍ أن هذه المرأة: امرأة عفيفة طاهرة بعيدة عن الريبة، بل إنهم يحتقرون أنفسهم حيث ورطوا أنفسهم فيما حرم الله، وهذه المرأة ترفعت عن ذلك، أما إذا رأوا المرأة المتبذلة فإنهم يطمعون فيها حينئذٍ، وينظرون إليها، وقد يؤذونها.
ومن الأدلة من السنة النبوية، ما روت عائشة رضي الله عنها، أنها قالت أو ذكرت في حجتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الركبان إذا حاذوهن أسدلت إحداهن جلبابها على وجهها، فإذا جاوزوهن كشفنه، تقول: [[كان الركبان إذا حاذونا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه]] والحديث رواه أبو داود وله شواهد.
ومن المعروف أن المرأة لا يجوز لها أن تغطي وجهها في الإحرام، فكونها تغطي وجهها في هذه الحالة دليل على وجوب ستره عن الرجال الأجانب، وقد يقال: أن هذا خاص بأمهات المؤمنين، فمما يدفع هذه الخصوصية ما روته فاطمة بنت المنذر رحمها الله أنها كانت تخرج مع نسوة معها، مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها في الحج [[فإذا حاذاهن الركبان غطين وجوههن]] والحديث رواه مالك في الموطأ وغيره بإسناد صحيح، فـ أسماء بنت أبي بكر وفاطمة بنت المنذر، ومن معهن من النساء يغطين وجوههن حال الإحرام إذا حاذاهن الرجال، وهذا دليل على وجوب تغطية المرأة وجهها عن الرجال الأجانب، بل إن تغطية المرأة وجهها عن الرجال الأجانب هو أمر معروف حتى في الجاهلية الأولى، ففي الجاهلية الأولى كانت المرأة تغطي وجهها عن الرجال الأجانب، واسمعوا ما يقول عنترة في بيته المشهور يصف امرأة يقول:- سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد يعني امرأة سقط منها نصيفها، وهو ما تغطي به وجهها بغير قصد منها، فتناولت النصيف أو الغطاء بيد واتقتهم -أي حاولت أن تغطي نفسها عنهم باليد الأخرى- فهذا شأن المرأة في الجاهلية، فما بالك بالمرأة في الإسلام.
وكثير من الأخوات المسلمات -هداهن الله- يقصرن في شأن الحجاب بصور عديدة، منها: أن بعض النساء تلبس حجاباً شفافاً، لا يستر وجهها وإنما يخفي ما قد يكون في هذا الوجه من سوء خلقة أو قبح، ويظهر الوجه كأنه وجه جميل، فيكون لامعاً مثيراً دافعاً للفضول والتطلع، وبعض النساء تلبس حجاباً صغيراً بحجم دائرة الوجه، حتى يبرز أسفل ذقنها أو تبرز رقبتها ويبرز نحرها وتجد أنها تتكلف كثيراً في المحافظة على هذا الحجاب، فلا تستطيع أن تلتفت يمنة أو يسرة، أو ترفع رأسها محافظة على هذا الحجاب، ويا سبحان الله! ما دامت هذه المرأة المسلمة حريصة على التستر، حريصة على ألا يظهر منها شيء، ولا يرى الرجال منها شيئاً، وتتقي ذلك، فما أدري أي شيطان رجيم نفخ في نفوس المسلمات، فصارت المرأة مضطرة أن تساير الموضة في كل حال! وإذا وجدت على صديقاتها أو قريباتها مثل هذا الأمر، اضطرت إلى أن تفعل مثل ما يفعلن تجنباً من أن توصف بأنها امرأة قديمة، أو أنها (زي قديم) أو شكل قديم أو كما يقولون: (دقة قديمة) أو ما أشبه ذلك!! وما أدري كيف ذلك ونحن نعتز بالإسلام ونفخر بهذا الدين الذي شرفنا الله به! والمفترض في المسلم والمسلمة أن يحرص حتى على إبراز السنن أمام الناس، يفتخر بأنه متبع لمحمد صلى الله عليه وسلم ومطيع لله عز وجل، وليعود الناس على هذا الأمر، ولقد رأيت في بلاد غير إسلامية الحجاب فيها موضع سخرية وموضع استغراب، أشد الاستغراب، أخوات مسلمات يمشين وقد سترن أجسادهن، ولبسن الحجاب على رؤوسهن حتى لا يرى الإنسان منهن أدنى شيء.
وهذا والله الفخر! أن تظل المسلمة متمسكة بهذا الحجاب، حريصة على إظهاره وإبرازه، وما يدرينا لو وجد من بين الأخوات المسلمات اليوم نساء يعتززن بالحجاب الإسلامي؛ لما مضى وقت قصير إلا والحجاب أمر شائع لدى كل النساء؟! وربما ينتقل أيضاً إلى نساء أخريات، لأن المرأة تحب التقليد في الغالب، خاصة إذا وجدت امرأة قوية الشخصية تفرض هذا الأمر، ولا تبالي بمن يخالفها، فحق على المرأة المسلمة أن تتحجب حجاباً كاملاً تقصد من ورائه الاستتار وليس الإثارة، وتعتز بهذا الحجاب، وبإظهاره أمام النساء الأخريات، والدعوة إليه ومحاربة من ينكره.