لعل من النماذج التي يمكن أن نتحدث عنها -مثلاً في قضية الدين، وأنا أعتمد في معلوماتي عن هذا الموضوع على عدة كتب، أهمها على الإطلاق كتاب مهم هو كتاب "البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي الصهيوني" هذا الكتاب يتحدث بشكل خاص عن الخلفية الدينية التي تحكم الغرب، تجاه نظرته إلى إسرائيل، ونظرته إلى العرب.
على سبيل المثال، يقول: إن الرجل الإنجليزي كان يقول: حينما أموت ستجد فلسطين مكتوبةً في قلبي، لماذا؟! لأنهم يعتقدون أن فلسطين هذه بلد فعلاً له قداسة مقدسة، وأن وجود النصارى التاريخي، ووجود اليهود مرتبط بفلسطين، وقد يتساءل بعضهم عن سر التحالف الكبير بين اليهود والنصارى، مع أن الله عز وجل قال في كتابه: {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:51] .
لكن في التاريخ شهدنا نوعاً من الصراع بينهم.
فما سر هذا التحالف الكبير الذي يشهده الواقع المعاصر بينهم، منذ قامت دولة إسرائيل؟ إن من أهم الأسرار هو أن كثيراً مما يسمونه باللوبي الصهيوني، أو جماعات الضغط اللوبي - اللوبي معناه: الستار أو الرواق.
وهى تطلق على جماعات الضغط النصرانية المسيحية المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة- مؤيدة لها في كل مواقفها بشكل غريب.
حتى إنهم أيدوا دخولها إلى لبنان، وأيدوا مجازر صبرا وشاتيلا، وأيدوا ضرب المفاعلات النووية، وأيدوا كل عمل تقوم به إسرائيل من منطلق أن عندهم نبوءة، يزعمون أنها نبوءة توراتية سماوية بزعمهم، أن الله تعالى يبارك من يبارك اليهود ويلعن من يلعنهم.
فهذه العقلية هي التي تحكمهم، ولذلك يقولون: إن من نعمة الله تعالى عليهم أن وفقهم إلى دعم اليهود، والوقوف إلى جانب إسرائيل، حتى يباركهم الله تعالى، ويقول بعضهم: إن ما نعيشه من رغد ورفاهية وتمكين إنما هو بسبب وقوفنا بجانب من يسمونهم بشعب الله المختار.
لماذا؟! لأن عند النصارى عقيدة تقول: لن ينزل المسيح -طبعاً نزول المسيح يؤمنون به، كما نؤمن به نحن، لكن يؤمنون به بطريقة أخرى- حتى تقوم ما يسمونها بمملكة الله في زعمهم، وهذه المملكة في زعمهم ستقوم في فلسطين وما حولها، ثم في إسرائيل الكبرى، وستمتد ألف عام، وإذا قامت كان هذا هو البشير والإرهاص، بنزول المسيح، وإذا نزل المسيح زعم النصارى أنه سوف يقودهم، وأن اليهود سوف يتنصرون، ولهذا يقولون: لا تستعجلوا على اليهود الآن، ولا تعملوا على تنصيرهم، دعوهم وما هم فيه.
لماذا؟! لأنه إذا نزل المسيح فسوف يتبعونه ويتنصرون.
وهذا القدر بالذات، ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن المسيح الدجال يتبعه سبعون ألفاً من يهود أصبهان عليهم الطيالسة، فاليهود يتبعون المسيح لكن المسيح الدجال، وليس عيسى بن مريم الذي بشر النبي صلى الله عليه وسلم بنزوله، وجاء ما يدل على نزوله في القرآن الكريم.
وفي الواقع هناك أشياء كثيرة جداً في هذا المجال، وطرائف وأمور في غاية العجب في هذا الكتاب بالذات، منها أن هناك دعوى نصرانية عند من يسمونهم بالأصوليين النصارى، أو الأصوليين الصهيونيين وهم نصارى بطبيعة الحال، وجماعات كثيرة جداً في أمريكا، عندهم دعوى يقولون: إن الهنود الحمر الذين كانوا موجودين في أمريكا أنهم كانوا من القبائل الإسرائيلية، وهذا فيه إشعار إلى أن أمريكا دولة في الأصل يهودية، وأن الذين هاجروا من أوروبا، ومن بريطانيا وفرنسا وأسبانيا وغيرها إلى الولايات المتحدة طردوا هؤلاء وقتلوهم، يعني: أنهم فعلوا هذا الفعل باليهود.
فالنصارى هناك بلا شك يتعاطفون مع إسرائيل، بل إن هناك كثيراً منهم قد تهودوا وأعلنوا خروجهم من الديانة النصرانية ودخولهم في اليهودية، ويزعمون أن شعبهم الشعب الغربي هو الشعب المختار لتحضير العالم، الذي جعل الله تعالى مهمة نشر الحضارة العالمية على يديه، ولهذا يتكلمون الآن بما يسمونه بالنظام العالمي، والسلام العالمي.