وعلى كل حال فالدين باق وموجود، وإذا تحدثنا عن المسلمين فإن هذا الجمع الهائل الحاشد الذي نشهده الآن، والجموع التي تعمر المساجد في أيام الجمع؛ وتشهد المحاضرات والدروس، والإقبال الكبير على الكتاب الإسلامي، وعلى الشريط الإسلامي، والالتفاف حول العلماء وطلبة العلم، والمظاهر الدينية التي عمرت كل مكان، حتى إنك تسافر من بلد إلى آخر، فتشاهد في كل مجموعة أمتار في أوقات الصلوات مجموعات قد نزلت لتصلي، وتذكر الله عز وجل حتى وهي في الطريق، حتى وهي مأذون لها أن تجمع صلاة مع أخرى.
فهذا كله يدل على أن هذه الأمة خاصة أمة الإسلام، أمة كتب الله تعالى لدينها البقاء، وكتب لها الخلود إلى أن يشاء الله عز وجل فهي أمة باقية، أمة راسخة الجذور، باسقة الفروع، أمة لها النصر، ولها العز، ولها التمكين، ولها من الله عز وجل الخير، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: {أمتي كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره} .
إذاً ينبغي أن ندرك أنه حين نتحدث عن اليهود، وعن النصارى، وعن الشيوعيين، فهذا الكلام يمكن أن ينجر على أي ديانة أخرى، لكننا نقول: إن دين الإسلام الذي جعله الله هداية للبشرية كلها، هو دينٌ قائم باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو النور الذي كتب الله تعالى أن يبقى، ليكون منارة يهتدي بهامن أراد الهداية، قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:19] وقال: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف:44] .
والأمة التي أنزل فيها هذا القرآن، وبعث فيها هذا النبي المختار عليه الصلاة والسلام، هي أكثر الأمم مسئولية في حمل وتبليغ رسالة الإسلام، لهذا قال معاوية رضي الله عنه كما في سنن أبي داود: [[والله يا معشر العرب إن لم تقوموا بهذا الدين لَغَيرُكم أجدر وأحرى ألا يقوم به]] .
فيجب أن ندرك مسئوليتنا في حمل رسالة الإسلام، وفي التعب والعناء والجهد من أجل الإسلام، فالكثيرون يحبون أن يعملوا شيئاً للإسلام، لكن ليس لديهم استعداد أن يضحوا.
والذي ليس لديه استعداد أن يضحي بوقت، أو يضحي بجهد، أو يضحي بأي أمر في سبيل هذا الدين؛ فإنه لا يستطيع أن يعمل شيئاً، نحن رأينا كيف ضحت الأمم الأخرى حتى وصلت إلى ما أرادت، هل تعتقد أن هذه الأمم الممكنة اليوم مكنت بغير عناء؟! هل تعتقد أنها حصلت على نصر بارد وغنيمة بلا جهد؟! كلا، بل إن الله عز وجل كتب في سننه الكونية أن من يتعب، ويجهد، يجد نتيجة جهده، ولا يضيع سعيه، حتى الكافر إذا قام بعمل دنيوي وعمل الأسباب قد يحصل على النتائج.
أما المسلم إذا قصر في اتخاذ الأسباب يفلس ولا يحصل على النتائج، فلا بد أن ندرك أننا محتاجون إلى أن نضحي في سبيل هذا الدين، وأن نصدق مع الله عز وجل ويكون الإسلام همنا، نستيقظ عليه، وننام على اهتمامات وشئون وشجون المسلمين، ونجهد من أجله، ونفرح ونحزن في سبيله، وإذا وجد الجيل الذي هذا حاله، فلنثق ثقة تامة بأن عندنا وعد ممن يملك الوفاء، وممن لا يخلف الميعاد، أن الله تعالى ناصر دينه ومعلٍ كلمتَه ومذلٌ أعداءه، وأن كل أعداء الدين سوف يدخلون في جحورهم، قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص:87-88] وقال: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51] وقال: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:52] وقال: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] .
فلنثق بوعد الله، ولنتق الله تعالى في أنفسنا، ولنؤمن بالله تعالى، ولنجاهد في سبيل الله عز وجل ولنصبر، ولنصابر، ولنرابط، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200] والحمد لله رب العالمين.