أثر الإسلام في عرب الجاهلية

أما بعد الإسلام فماذا تقول في أمة أو فرد الدين معه! لا أقول منذ ولادته وتسميته بل قبل ذلك من يوم أن كان نطفة، بل قبل ذلك، فالإسلام نظم عملية لقاء الزوج بزوجته، بل قبل ذلك مسألة الزواج نفسها ضبطها الإسلام، بضوابط كثيرة جداً، تجعل من هذا العمل ليس عملاً عادياً، أو عملاً شهوانياً بحتاً، وإنما هو عملٌ محفوف بهداية الله عز وجل، محاط بتوجيهات القرآن والسنة.

ماذا تقول في أمة كان الأخذ بالثأر من أعظم عادات العرب، ويعدون أن عدم الأخذ بالثأر مذلة، فإذا قتل أبوه أو أخوه أو قريبه رأى أن عليه أن يأخذ بثأر من قُتل مهما تكن الظروف، فلما جاء الإسلام ضبطهم بهذا الأمر، فكان الواحد منهم يرى قاتل أبيه، فلا يعتدي عليه ولا يمسه بسوء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وضع جميع دماء الجاهلية، وجميع ثاراتها، كما قال عليه الصلاة والسلام في خطبته المعروفة في حجة الوداع.

مع أن مسألة الأخذ بالثأر كانت مغروسة ومركوزة وعميقة في نفوسهم، ومع ذلك تخلصوا منها وصبروا أنفسهم.

وكذلك كان العربي عزيزاً يأبى الضيم، كانت فيه أنفة وفيه قوة وفيه شهامة، لذلك ما كان من الممكن أن تأخذ من العربي قطرة ماء بالقوة، حتى لو يبذل روحه في سبيلها؛ أبداً.

وكان عندهم عزة وعندهم نخوة وكرامة، ومن أسباب ذلك أنهم تربوا في الصحراء، فتربوا على معاني الرجولة والمروءة والقوة والشجاعة، ولذلك ذكرت في بعض المناسبات أن رجلاً عربياً كان عنده فرس -خيل- جيدة وعريقة ونسيبه، اسمها "سكاب"، فجاءه ملك من الملوك يريد أن يأخذها منه، ما قال: الأمر بسيط والإنسان يفدي نفسه بماله.

لا، قال له: أبيت اللعن، هذه تحية كانت معروفة عند العرب في الجاهلية.

أبيت اللعن إن سكاب عِلْق نفيس لا يعار ولا يباع فلا تطمع أبيت اللعن فيها ومنعكها بشيء يستطاع ما دام أنني أتستطيع أن أمنعك هذا الفرس، فإنك لن تستطيع الحصول عليه بحال من الأحوال، مع أن العربي في مقابل ذلك كان كريماً، يمكن أن يعطي أغلى وأعز وأثمن ما يملك بدون مقابل، لأنه رجل كريم، يعطي قطعة من قلبه، وكان الشاعر العربي حتى في الجاهلية يقول: ولو أني حبيت الخلد فرداً لما أحببت في الخلد انفرادا فلا هطلت علي ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا فكان عندهم معاني الكرم، ومع ذلك ما كان أحد يستطيع أن يأخذ منهم أموالهم بالقوة بحال من الأحول.

ولذلك العرب في الجاهلية، ما خضعوا لأحد أبداً، ولا جمعهم جامع، ولا ربطهم رابط، حتى جاء الإسلام فوحد صفوفهم تحت شعار السمع والطاعة لولي الأمر ما لم يأمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع له ولا طاعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015