أثر الدين على اليهود

ومن النماذج التي أحب أن أقف عندها بعض الشيء، قضية اليهود، واليهودية ديانة قديمة-كما تعلمون- فهم يزعمون أنهم أتباع لموسى عليه الصلاة والسلام، وقد تعرضت اليهودية في تاريخها الطويل، لحملات ضارية من التعذيب والتنكيل على يد ملوك، وزعماء كبار من النصارى ومن الوثنيين، وهذا -أيضاً- موجود في العصور المتأخرة -كما تعرفون- في ألمانيا وغيرها، وكيف يذكر في بعض المصادر أنهم كانوا يحرقون ويسحقون، وإن كانت هناك مبالغة في مثل هذه الأخبار على كل حال.

لكن المهم أن اليهود تعرضوا لحملات قاسية جداً، من حملات تصفية جسدية، وحرق بالنار، وقد ذكر بعض المؤرخين النصارى -أيضاً- قصصاً من اضطهاد النصارى لليهود يندى لها الجبين، وكيف كانوا يدفنونهم أحياءً في مقابر جماعية، وكيف كانوا يحرقونهم! وكيف كانوا يجعلون الشموع فوق رءوسهم ويوقدونهم حتى ينتهو! إلى غير ذلك، ومع هذا كله وعبر هذا التاريخ الطويل تجد أن اليهود اليوم ومنذ عشرات السنين تمكنوا من أن يجمعوا كلمتهم ويوحدوا صفوفهم في دولة فلسطين.

هذه الدولة تبدأ باسمها إسرائيل، اسم ديني لأن إسرائيل هو اسم للنبي يعقوب عليه السلام، فاسمها اسم ديني، فهذه الدولة تكونت من الأحزاب التي يسمونها أحزاباً متطرفة، مثل حزب كاهانا -هذا الذي قتل في أمريكا- وغيره، بل حتى جمهور الناس الساكنين فيها، وسائر الأحزاب الموجودة فيها والأشخاص تجد أنهم ينطلقون من منطلقات دينية، ويلتزمون بتعاليم دينهم التي استقرت عندهم الآن، وليس الدين الأصلي الذي نزل على موسى عليه الصلاة والسلام؛ ويحترمونها.

حتى إن أحدهم يقول: ليس اليهود هم الذين حفظوا التوراة، لكن التوراة هي التي حفظت اليهود، يعني أن اليهود ليسوا هم الذين حفظوا التوراة، وتناقلوها جيلاً بعد جيل، حتى وصلت إلى المعاصرين، لا! وإنما التوراة هي التي حفظت لليهود وحدتهم وتماسكهم، حتى استطاعوا في هذا العصر أن يجتمعوا تحت ظل دولة واحدة، ليست دولة ذات حدود، بل دولة تطمع أن تكون بلا حدود؛ فالآن هي دولة إسرائيل، وغداً يطمعون أن تكون دولة إسرائيل الكبرى.

وتدخل فيها أطرافاً من الدول المجاورة، ولعل قضية هجرة اليهود من الاتحاد السوفيتي إلى إسرائيل الآن، والعدد فيها قد يقارب ثلاثمائة ألف مهاجر، لعل هذه خطوة كبيرة؛ لأنه لو تصورت ثلاثمائة ألف مهاجر إلى إسرائيل، هؤلاء أين سيسكنون؟! من أين سيعيشون؟! ماذا سيزرعون؟! وماذا سيعملون؟! وفي أي المصانع سيشتغلون؟! أنا أطرح هذا السؤال وأترك الإجابة عليه لك.

فهل تتصور أن دولة محدودة ودولة ضيقة ودولة محصورة يمكن أن تستوعب هذه الهجرة الكبيرة؟! خاصة إذا تذكرت أن العنصر الفلسطيني الموجود في إسرائيل يتوالد بكثرة، وهذا من الأشياء التي تزعج الغرب واليهود، (كثرة التناسل والتوالد في عالم المسلمين) .

لأنها شكلت عندهم خطورة، ولعل قضية ما يسمى بالانتفاضة هم أطفال، شكلوا لإسرائيل مشكلة كبيرة وخطيرة هزتهم هزة عنيفة، وما ذلك إلا لأسباب لا شك كثيرة، لكن موضوع الكثرة العددية أو ما يسمونه بالانفجار السكاني هذا من أخطر الأشياء التي تهدد وتواجه إسرائيل، فإذا أضفت إلى هذا أنهم زادوا الطين بلة، بثلاثمائة ألف مهاجر من روسيا وغيرها، أدركت أن إسرائيل تخطط جدياً وربما في القريب، تخطط لتوسع معين، وهذا التوسع نحن مطمئنون بحول الله وقوته، وواثقون بوعد الله تعالى ونصره عز وجل.

إنهم حينئذ يتجمعون لميعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: {تقاتلون اليهود حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي ورائي تعال فاقتله} وفي رواية البزار وغيره: {على نهر الأردن أنتم شرقيه، وهم غربيه} .

إذاً ليتجمع اليهود ما تجمعوا، وليقضوا ما هم قاضون، وليحشدوا قواهم وإمكانياتهم، وليستعينوا بحلفائهم من الشرق والغرب، وليدعو مهاجريهم من روسيا وأمريكا وأوروبا وغيرها؛ فإنهم إنما يجتمعون لمعركة حاسمة فاصلة لمّا يشهدها التاريخ بعد، ولن تكون مع العرب الذين يرفعون شعار العروبة، ولا مع الذين يرفعون شعار الوطنية، ولا مع الذين يرفعون شعار القومية، ولا مع الذين يرفعون شعار الاشتراكية، إنما تكون مع حملة لا إله إلا الله محمد رسول الله، الذين تربوا عليها وآمنوا بها، وأشربتها قلوبهم، فأصبح الواحد منهم مجاهداً يمضي ويقول: ماض وأعرف ما دربي وما هدفي والموت يرقص لي في كل منعطف وما أبالي به حتى أحاذره فخشية الموت عندي أبرد الطُّرَف والآخر الذي يخاطب نفسه فيقول: أقول لها وقد طارت شُعاعاً من الأبطال ويحك لن تراعي فإنك لو سألت بقاء يوم على الأجل الذي لك لن تطاعي فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاع ومن لا يعتبط يسأمْ ويهرمْ وتسلمه المنون إلى انقطاع وما للمرء خير في حياة إذا ما عُدَّ من سَقَطِ المتاعِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015