حقيقة الاستغفار

والاستغفار -أيها الإخوة- هو التعرض لنفحات الله جلَّ وعلا في أوقاتها المناسبة، كأوقات العبادة، وأدبار العبادة، وكأوقات إجابة الدعاء، وثلث الليل الأخير؛ وغيرها؛ فإن الله تعالى ينزل ويقول لعباده: من يستغفرني فأغفر له!!، فأين المستغفرون؟! وأين المنكسرون؟! وأين المقبلون على الله عز وجل؟! وأين المخبتون إلى الله؟! الله جلَّ وعلا وهو الغني ينزل إلى سماء الدنيا ويقول: من يستغفرني فأغفر له! ليس الله تعالى بحاجة إلى عباده!! {هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [يونس:68] وكما يقول جلَّ وعلا: {يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضُري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني!! يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم} .

ذكر النووي رحمه الله تعالى في كتابه الأذكار: أن أعرابياً وُجدَ واقفاً عند الكعبة منكسراً لله عز وجل منطرحاً بين يديه، وهو يقول: (اللهم! إنَّ استغفاري مع إصراري على الذنبِ لؤمٌ!) لاحظ هذا الأعرابي مع جهله؛ لكن كيف ألهمه الله تعالى حسن الاستغفار! يقول: اللهم إنَّ استغفاري مع إصراري على الذنبِ لهو نوعٌ من اللؤمٌ، فأنا لئيم؛ إذاً أستغفرك يا رب، وأنا مصرٌ على ذنبي، (وإن تركي للاستغفار مع علمي بِسعة رحمتك لهو عجزٌ) فإن الله تعالى واسع المغفرة، (يا رب: أنا أتبغض إليك بالمعاصي مع عظيم حاجتي إليك، وأنت تتحببُ إليَّ بالنعم مع غناك عنَّي، يا من إذا وعد وفى، وإذا توعَّدَ تجاوز وعفى، أدخل عظيم جرمي في عظيم رحمتك يا أرحم الراحمين!) هذا التبتل، هذا الاستغفار والصدق، حتى من رجلٍ قد يكون من عامة الناس، لكن الله تعالى ألهمه بصدقِ إيمانه، وصحة قلبه، وسلامة نفسه: صدقَ الاستغفار، (اللهم إن استغفاري مع إصراري على الذنب لؤمٌ، وإن تركي للاستغفار مع علمي بسعة رحمتك عجزٌ، يا رب أنا أتبغض إليك بالذنوب مع عظيم حاجتي إليك، وأنت تتحببُ إليَّ بالنعم مع شدة غناك عني، يا من إذا وعد وفى، وإذا توعد تجاوز وعفى، أدخل عظيم جرمي في عظيم رحمتك، يا أرحم الراحمين!) .

ما للعباد عليه حقٌ واجبُ كلا ولا سعيٌ لديه ضائعٌ إن عُذِّبوا فبعدله أو نُعِّموا فبفضله وهو الكريم الواسعُ فالله تعالى إذا توعد العبد، فقد يعفو عنه، وقد قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32] وإذا وعده فإن الله تعالى لا يخلف الميعاد! ويرهب ابن العم والجار صولتي ولا أنثني عن صولة المتهددِ وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلفُ إيعادي ومنجز موعدي فهذا من كرم الله تعالى وعظيم جوده أنه واسع المغفرة، إذا توعد العبد فقد يعفو عنه، وإذا وعده بالخير فإنه لا يخلف الميعاد، بل ينجزه لعبده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015