استغفار النبي صلى الله عليه وسلم

ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو سيد المستغفرين عليه الصلاة والسلام، فكان استغفاره ضروباً عجيبةً لا يعلمها إلا الله عز وجل، كان يستغفر الله تعالى في كل حال: وهو قائم، وهو قاعد، وهو مضطجع، وهو يصلي، وهو يتعبد، وهو نائم، وهو مستيقظ، كان يستغفر الله تعالى في كل حال.

فمن ذلك أنهم كانوا يحصون له صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد -أحياناً- أكثر من سبعين مرة، وربما مائة مرة: {سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي وتب عليَّ، إنك أنت التواب الرحيم} إلى غير ذلك من أصناف وضروب الاستغفار، حتى إنها ربما عدت له في المجلس الواحد سبعين مرة أو مائة مرة وهو يستغفر الله تعالى! وحتى إنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر الدعاء، ويستغفر ثلاث مرات كما قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما رواه أبو داود: {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعو ثلاثاً أو يستغفر ثلاثاً، فكان يكثر أن يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله} ومن ذلك أنه كان يستغفر الله تعالى في سجوده، فلما أنزل الله تعالى عليه قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:3] {كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن} كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها.

يتأول القرآن أي: يفعل ما أمره به القرآن، حين قال الله له: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} .

وكان يقول صلى الله عليه وآله وسلم بين السجدتين: {اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي، واجبرني، وعافني، واهدني، وارزقني} كما عند الترمذي وأبي داود، وهو حديثٌ صحيح.

وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه في آخر التشهد أن يقول أحدهم كما في حديث أبي بكر المتفق عليه أنه قال: {يا رسول الله! علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم} وفي رواية {ظلماً كبيراً} فهو كثيرٌ وهو كبير! أي أن العبد يتوسل إلى الله تعالى بعفوه ومغفرته أن يغفر له، وإلا فإنه يقول: إنني لا أستحق هذه المغفرة، إنما هي مغفرةٌ من عندك، محض تفضلٍ وامتنانٍ وكرم من جود الله وعطائه؛ لأنه هو الغفور الرحيم، وإلا فالعبد لا يستحق هذه المغفرة بحالٍ، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى ويستغفره في كل حال.

وقد أخذ هذا عنه أصحابه وأتباعه، حتى إنك ربما رأيت الرجل من الصالحين من السلف رضي الله عنهم يكثر من الاستغفار، حتى يقول من حوله: إن هذا الرجل قد وقع في ذنبٍ عظيم؛ لأنه يستغفر، وليس [أستغفر الله] كلمةً يرددها على لسانه، كما يقول بعضهم: أستغفر الله من أستغفر الله من كلمةٍ قُلتُها لم أدر معناها ليس يجري الاستغفار على لسانه دون فهمٍ ولا إدراك، بل يستغفر الله بقلبٍ مكسور، ونفسٍ مجروحة، وحُزنٍ عظيم على تفريطه وإهماله وتقصيره، فكان من رآه يظن أنه قد وقع في ذنبٍ عظيم، ولو تأملت حياته، لما وجدت فيها إلا الصوم، والصلاة، والعبادة، والذكر، والدعاء، والصدقة، والإحسان، لكنه شعورهم بالتقصير في حق الله جلَّ وعلا، فهكذا كان سيد العباد وسيد المستغفرين، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم، وهكذا كان أصحابه وأتباعه رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015