إن العمل الصالح أصل، وأي أثر للإيمان في القلب لا بد أن يظهر في الجوارح، ولذلك أضرب لكم مثلاًَ من الأعمال، وهو الذي قد يشكل على كثير من الناس: لقد أجمع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فيما رواه الترمذي بسند صحيح أن تارك الصلاة كافر، فقال عبد الله بن شقيق رضي الله عنه: [[لم يكن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة]] فالآن الصلاة عمل من الأعمال، وتركها كفر مخرج من الملة، والأدلة على ذلك موجودة في القرآن كما هي مذكورة في مواضعها، وليس هذا مجالاً للحديث عنها، فإذا قال قائل: لماذا كان هذا العمل وهو الصلاة مكفراً كفراً مخرجاً من الملة بخلاف بقية الأعمال الأخرى؟ فأقول: لقد قرر الشيخ ابن القيم رحمه الله في كتابه الذي سماه: الصلاة أن من ترك الصلاة بالكلية لا يصليها لا مع الجماعة ولا في بيته، فإنه يستدل بهذا العمل- وهو تركه للصلاة- على أن قلبه خالٍ من الإيمان! بالكلية؛ لأن كل ذرة من الإيمان في القلب لا بد وأن يظهر لها ولو بعض أثر بسيط في الجوارح، فأضعف الإيمان هو الذي يدفع صاحبه لأداء الصلاة ولو في البيت، فإذا ترك الصلاة حتى في البيت عرفنا أن هذا الإنسان ليس في قلبه ولا مثقال حبة من خردل من إيمان، ولذلك في حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما في الصحيحين في شأن الشفاعة أن الله عز وجل يقول: {أخرجوا من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان} يخرج من النار من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من الإيمان، هذا بعد أن يعذب في النار ما شاء الله، يخرج من النار، فنقول: إن الظاهر من كلام الشيخ ابن القيم وعدد من العلماء أن هذا القليل من الإيمان الموجود في القلب، لا بد أن يؤثر ولو أثراً بسيطاً في أعمال الجوارح، أما من عُدِم منه العمل بالكلية فإننا نستدل بذلك على عدم الإيمان من قلبه بالكلية والعياذ بالله.
إذاً: نحن لا نهون من شأن الأعمال الظاهرة، ولا نهون من خطر المعاصي وآثارها وأنها بريد الكفر كما كان السلف يقولون، ولا نهون من شأن الأعمال الصالحة، وأنها من أعظم الأسباب لدخول الجنة، ولكننا نقول مع هذا وذاك: إن الأعمال ليست مقصورة على أعمال الجوارح فحسب، بل هي عمل القلب، وعمل اللسان، وعمل الجوارح.
أيها الإخوة: إلى هذا الحد أكتفي وأدعو الله عز وجل أن يوفقني وإياكم لصالح القول والعمل، ويتوب علينا، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.